* كتب/ يوسف أبوراوي،
في جلسة قصيرة مع أحد الزملاء بالأمس دار الحديث حول مسألة كثيرا ما أثرتها منذ 2011 الى اليوم وهي مسألة غياب النقد والتقييم لمسيرة ليبيا في عهد القذافي وماهي الدروس المستفادة من ذلك…
فلم تكن مشكلة الليبيين مع القذافي يقينا في لون عينيه أو تسريحة شعره أو انتمائه القبلي أو العرقي… كان اللوم المنصب عليه هو أنه عطل قيام دولة حقيقية عبر تركز كل السلطات في يده… والتقصير في بناء ليبيا في فترة ذهبية من تاريخها ربما لن تتكرر كمداخيل اقتصادية… أما سلوكه الشخصي وهو ما ركز عليه كل من انتقده منذ 2011 إلى اليوم عبر الادعاء بأنه يهودي أو أنه سكير أو زير نساء، فتلك أمور حتى لو سلمنا بصحتها فهي لا تهم المواطن العادي إطلاقا .
اليوم انتبهت أن هذه الأيام هي ذكرى انتهاء القذافي ونظامه… فترة حكم القذافي انقضت بكل ما فيها من خير وشر، وسواء كنا مناصرين له أو ناقمين عليه، وسواء اكتشفنا حسنه أو قبحه بعد موته… فالتاريخ لا يرجع إلى الوراء… واستخدام تقنية الشماتة أو المعايرة لن يرجع الزمان إلى الخلف، كما أنه لن يسهم في بناء أي شيء حاضرا أو مستقبلا…
لكن مشكلة هذه الفترة أنها ستظل كغيرها من الفترات التي مرت بها بلادنا مجرد سنوات تعد ولكنها تظل فجوة زمنية بالنسبة للتاريخ الحقيقي الذي يتجاوز سرد الأحداث إلى فهم الأسباب والعلل ويشخص المشاكل ويحاول الإسهام في وضع الحلول لها… وستنقضي أيضا ايام ثورة فبراير وتلحق بباقي الحقب قبلها بدون مراكمة أي خبرات يستفيد منها من سيأتي بعدنا … يبدوا أننا نستمتع بالعيش بلا هدف على مستوى الأفراد والجماعات أيضا… لذلك سنظل في تيهنا إلى ما لا نهاية…
إن ما يميز المجتمعات الحية ليس كمالها أو خلوها من الأخطاء، بل قدرتها على تشخيص مشاكلها وامتلاك شجاعة الاعتراف بها، لا ليسجل هذا الاعتراف نقاطا لصالح فلان أو ضده بل لتكون منطلقا لإيجاد الحلول لهذه المشاكل… لو رجعنا لبعض كتب التاريخ والحوليات لرأينا تقلد عشرات الأشخاص لمنصب الحاكم في بلادنا… وما مر بنا حديثا من حكام وساسة سيتحولون إلى شخصيات من هذا القبيل بعد سنوات قليلة أيضا… ذهبت أمجادهم وأموالهم وعلاقاتهم وتحالفاتهم وأبقوا التخلف والفوضى والجهل المركب لتكون النتيجة مجتمعات بائسة تعيش متطفلة على هامش التاريخ في كل شيء..!