* كتب/ عاطف الأطرش،
في عام 1996 تقريباً في أولى سنوات دراستي بالجامعة الأردنية قررت الحكومة في ذلك الوقت في عهد السيد عبد الكريم الكباريتي زيادة سعر كيلو الخبز خمسة قروش تقريباً، ليصبح 25 قرشاً… لتندلع مظاهرات واحتجاجات شعبية كادت أن تطيح بالنظام العام آنذاك…
إلى أن تدخل الملك حسين رحمه الله بشكل مباشر، وألغى هذا القرار وتمت إقالة رئيس الحكومة، حيث استبدل الدعم بقيمة نقدية تدفع من خلال القنوات الاقتصادية والاجتماعية المتاحة في ذلك الوقت… ولا أنسى مشهد الكباريتي وهو يتلو قرار إقالته “باكياً” على الهواء مباشرة…
تمضي الأيام بعدها وألتقي ببعض أصدقائي هناك، وكان السؤال والنقاش حول مغزى هيجان الناس حول هذا القرار لأجل زيادة “تافهة” حسبما كنت أراها… ليجيبوني بأن الناس لو سكتت عن “الشلن” فسينتزع عنها “الليرة” بعد ذلك دون أدنى اعتراض!!
إن أخطر ما يدمر قيم المجتمع هو “التكيف” و”التأقلم” مع الظروف والمشكلات… وسيعدم المجتمع الوسيلة في التخلص من ذلك من خلال الحلول التلفيقية، والدوران حول المشكلة دون إيجاد حلول جادة نحوها!!
لذا فكل الاختراعات والاكتشافات والمنجزات التي يعيشها الإنسان العصري جاءت من باب “الحاجة أم الاختراع”… ولم يكتف بالتأمل أو الحلم لجعل حياته سهلة… بل عمل بكد وجهد حتى وصل إلى ما وصل إليه من حلول واقعية تفي احتياجاته ومتطلباته.. فشل في المحاولة الأولى والثانية والثالثة وحتى العاشرة… لكنه نجح بعد ذلك في حلها، ولم يستسلم أو يبحث عن حل تلفيقي مريح يعفيه من مسؤوليته في البحث عن حل لمشكلاته وأزماته…
وحيث أن الحديث بدأ برغيف الخبز… تذكرت شعباً لازال يستذكر مذلة العشر فردات بربع ويحن لها وكأنها أقل سوءًا وشراً مما يعانيه الآن… رغم أن ذات المشكلات التي يعانيها الآن هي ذاتها التي عايشها في حضرة “صاحب الكوشة”: غلاء أسعار… تأخر مرتبات… فقر… بطالة… تخلف… أحقاد… مع إضافة بعض البهارات في الوقت الحالي مثل شح السيولة وانتشار السلاح… مع ذلك استمر بالتكيف والتأقلم مع هذه الأزمات..
حتى هذه اللحظة أقرأ تذمراً وهمهمة حول سعر الأضاحي، والذي يتكرر كل عام دون حل يذكر… بل أكاد أجزم أن البكائيات المنتشرة ستنقشع مع أول أيام عيد الأضحى المبارك… ومن ثم يبدأ التشاكي والتباكي في ظل أزمة تلو الأخرى… لماذا؟!
لأن ذات الشعب تأقلم مع ذلك، ووجدها الوسيلة المريحة له كبديل عن مواجهة سلطات الأمر الواقع… وسيتم انتزاع كل جنيه في جيبه وسيراق ماء وجهه “وعلى قلبه زي العسل”… في سبيل ألا ينخرط في العمل الجاد ليحل أزمته… بكسر عقدة التأقلم والتكيف والتحول نحو الرفض والتمرد…
للكاتب أيضا: