* كتب/ يوسف أبوراوي،
الاشتراك اللفظي ظاهرة لغوية تعني وجود لفظ واحد يدل على معان متعددة، ومن أشهر الأمثلة المدرسية عليها لفظ (العين)، والتي تطلق على العين الباصرة التي نرى بها، وعين الماء الجارية، والعين بمعنى الذهب… وهكذا.
ترجمة ونقل الألفاظ من لغات أخرى ووضع ألفاظ موجودة في اللغة لتلك المعاني المنقولة والتي نشأت في سياقات حضارية وتاريخية مختلفة، يولد ظاهرة الاشتراك اللفظي أيضا، وهو أمر لا يفطن له كثيرون حتى ممن يكتب ويؤلف، ولعل المثال يوضح المقام:
– كلمة (الحرية) عند العرب تعني نقيض الاستعباد والرق، فالمجتمع مقسم إلى أحرار وعبيد أرقاء، ولا تثير في ذهن العربي قبل عصرنا هذا أكثر من هذا المعنى.
– كلمة (الحرية) التي هي ترجمة لكلمة الليبرالية، والتي ظهرت بعد عصر الأنوار في أوروبا، ودعا إليها الفلاسفة هناك والتي تعني حرية الإنسان واستقلاله بنفسه حتى على المستوى التشريعي والأخلاقي، حيث يشمل حرية المعتقد والحرية السياسية وحرية التنقل والتملك وغيرها.
تجد كثيرا من الكتاب يكتبون بدون تحديد هذه المصطلحات، ويسوقون الأمثلة على دعوة الإسلام للحرية، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وغيره من الأمثلة، وهم يريدون القول إننا دعونا إلى الحرية قبل الأوربيين، وفق ذهنية سلفية تسابقية تبحث في الماضي لتقول نحن الأفضل والأسبق بعد اليأس من إصلاح الحاضر، والفرار إلى ماض متخيل مثالي.
لو أردت أن تختبر هذا الموضوع ببساطة شديدة تكشف لك الفرق بين المعنيين المقصودين بالكلمة، قم بهذه التجربة:
فلو سألت ليبراليا (حر) أوروبي وقلت له هل يمكن أن أبدل ديني، لقال لك وما شأني بك! بدّل أو غير أو اكفر فهذا شأنك الخاص.
ولو سألت هذا الحر المتغني بالحرية عندنا هل يمكن أن أبدل ديني؟ لقال لك هذا لا يجوز ومن بدل دينه فاقتلوه، وللحرية حدود يا أخي، والعقل لا يقدم على النقل وغيره مما نعرف من حجج.
هذا الكلام ليس لتفضيل نموذج على آخر، فليس هذا موضوعنا الآن، بل القصد تبيين الخلط الحادث في أذهان وأقلام كثير من الكتاب، والذي يؤدي إلى خلق ذهنية مشاكسة مشوشة لدى القراء، وتكوين خلفية عقلية وذهنية مشتتة ممزقة تؤمن بالفكرة ونقيضها في نفس الوقت، أدى تراكمها إلى عجز وهلهلة كامل جهازنا المعرفي.
الكتابة أمانة، وخلط المفاهيم فيها لا يخرج عن أمرين، إما الجهل وإما سوء النية، وكلاهما جريمة !!!!
**ملاحظة مهمة جدا جدا:
أنا أتكلم عن المفهوم الذهني لا التطبيق العملي، فلا تقل لي إن الغرب منافق يدعو إلى الحرية ويستعبد الشعوب، لانهم سيقولون لك أيضا والمسلمون منافقون لأنهم يدعون إلى الإسلام ولا يطبقونه، كما أن مفهوم الحرية أصلا مختلف بين النموذجين كما بينا (آسف للإزعاج).
