الرئيسيةالراي

رأي- الاختلاف أم النمطية؟

* كتب/ عمران اشتيوي،

بدا العالم يتسارعُ بداخله كلُّ شيء، وكأن كل شيء في تنافس حميم مع كل شيء آخر، من الأخبار إلى المواقف إلى الأحكام، نجد أنفسنا عالقين بين خيارين: الاختلاف أو النمطية.

النمطية تمنحنا راحة البال، تجعلنا نشعر أننا داخل قطيع كبير، نتبنى نفس الآراء، نردد ذات العبارات، ونخاف من الخروج عن المألوف خشية أن نُنبَذ أو نُتهم بالشذوذ الفكري. لكن، أليس هذا الانصهار في القوالب الجاهزة يُميت الروح، ويُفرغ الحياة من جدلها الجميل؟ والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في التنزيل الحكيم في سورة هود بقوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ).

الاختلاف، على النقيض، هو روح الفكر. هو ما يجعلنا نتقدم ونتطور ونعيد النظر في المسلّمات. لكنه لا يأتي بلا ثمن؛ لأن الاختلاف اليوم صار يُقابل أحيانًا بالإقصاء، بل وبمصادرة الرأي. كم مرة سمعنا من يقول: «اختلف معي لكن لا تُصادر رأيي وتدعي امتلاك الحقيقة المطلقة»، هذه العبارة تلخص جوهر المشكلة. نحن لا نرفض اختلاف الآخر، بل نرفض مصادرة صوته، نرفض أن يُسكتنا أحد فقط لأنه يعتقد أن صوته أعلى أو فكره أصح.

الحقيقة الكاملة المطلقة لا أحد يملكها، لكنه قد يقترب منها. كلنا نرى العالم من زوايا مختلفة، نحمل تجارب وخبرات تشكل رؤانا. وبالتالي، لا يحق لأحد أن يدّعي أنه يحتكر الصواب. ومع ذلك، نجد أن مجتمعاتنا العربية، في كثير من الأحيان، تنحاز إلى النمطية: في الفكر، في المظهر، وحتى في طريقة الكلام. كأننا نخشى أن نُعرّف بآرائنا الحقيقية، فنختبئ وراء جُدران الرضا العام.

إذن، نحن أمام تحدٍّ حقيقي: هل نقبل بأن نعيش داخل قوالب مريحة لكنها خانقة؟ أم نغامر ونمارس اختلافنا بحرية ومسؤولية؟ قد يكون الجواب عند كل فرد مختلفًا، لكن المؤكد أن العالم أجمل حين يتسع لكل الأصوات، لا حين يُخنق بالنسخ المتكررة. لأنّ الاختلاف، ببساطة، هو الذي يمنح الحياة لونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى