الرئيسيةعيون

رأي- استعراض بنغازي… بين حفتر وموسكو

* كتب/ أسامة علي،

رغم الأجواء المشحونة والمحيطة بحفتر، وأبرزها فضيحة فيديو النائب إبراهيم الدرسي المسرب الذي أظهره في مشاهد تعذيب، وأثار سخطاً واسعاً في الأوساط القبلية في شرقي ليبيا، وتسبّب في غياب حفتر وأولاده لأسبوعين عن الظهور، إلا أن حفتر يبدو أنه كان مصراً على الخروج في مظهر مختلف ولافت لكسر طوق العزلة الذي كان يحيط به.

فقد ظهر حفتر ببزته العسكرية محاطاً بأولاده برتبهم العسكرية المتقدمة في استعراض عسكري لافت في غربي مدينة بنغازي، من الواضح أن المقصد منه كان إرجاع هيبة قوته العسكرية. وفي إصرار أكثر على ذلك جاء هذا الاستعراض العسكري للاحتفال بما يسميها “عملية الكرامة”، المرتبطة بحادث اختفاء الدرسي العام الماضي.

جرى مشهد الاستعراض العسكري بشكل مألوف إلى حد كبير، فحفتر كان يحاول طيلة السنوات الماضية استعراض مليشياته بشكل جيش نظامي، لكن اللافت هذه المرة أن الاستعراض شمل عناصر جديدة جعلته أكثر من مجرد عرض عسكري محلي، بظهور أسلحة روسية متطورة بشكل علني لأول مرة ضمن ترسانته، خصوصاً المسيّرات الروسية مثل “أوريون” و”أورلان-10″، ومنظومات دفاع جوي متقدّمة، ما طرح أسئلة حول الأهداف البعيدة وراء هذا الاستعراض، ومن يشغّل هذه الأسلحة المتطورة، خصوصاً أن حفتر لا يملك أكاديميات عسكرية قادرة على تخريج كوادر مؤهلة للتعامل مع مثل هذه التقنيات الحديثة؟ وزادت الأسئلة مع ظهور مقاتلين ملثمين ضمن العرض، بأجساد تبدو غريبة عن السياق الليبي المعتاد، ما أثار الشكوك حول هوياتهم وأصولهم الحقيقية.

وفي سياق الأسئلة، كان التساؤل عن معنى ودلالة مشاركة نائب وزير الدفاع الروسي، الجنرال يونس بك يفكوروف، بصفة ضيف شرف بارز في الاستعراض. ظهر يفكوروف بشكل مكرر في شرق ليبيا من خلال 11 زيارة له، منذ أول زيارة في أغسطس 2023، بالتزامن مع مقتل زعيم “فاغنر” يفغيني بريغوجين، وبدء الحديث عن تدشين موسكو مشروع “الفيلق الأفريقي”، في إشارة واضحة إلى تحوّل استراتيجي روسي في المنطقة. وضمن حفل الاستعراض حضر ممثلون عن النيجر وتشاد ومالي، واجتماع كل هذه العناصر لا يبدو صدفة، بل يشير إلى أن الاستعراض لم يكن مجرد احتفال محلي، بل ربما للإعلان عن انتقال مشروع “الفيلق الأفريقي” إلى مرحلة جديدة.

فكرة المشروع الروسي تقوم على بناء تحالف عسكري روسي مع دول ليبيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، يتم خلاله تدريب قوات محلية من هذه الدول، ولكن تحت القيادة والإدارة الروسية، لتنفيذ أجندة موسكو في المنطقة. في ليبيا لم يعد خافياً وجود قواعد روسية في مواقع استراتيجية ليبية، مثل الخادم وطبرق والجفرة والسارة. والآن جاء الاستعراض في “المدينة العسكرية” بمنطقة قمينس، الضاحية الغربية لبنغازي، ذات الموقع الساحلي على البحر المتوسط.

لا شك في أن استعراض طائرات مسيّرة روسية متطورة في أجواء ليبيا، على مسافة ليست بعيدة عن قواعد حلف شمال الأطلسي (ناتو) في البحر المتوسط، هو رسالة خطيرة بحد ذاتها. رسالة مفادها أن المنطقة، أو على الأقل معاقل حفتر، أصبحت تحت الحماية والتأثير العسكري الروسي المباشر. ومما لا شك فيه أن هذا الاستعراض يحمل تحدياً سيثير قلقاً أميركياً وأوروبياً متصاعداً وقد يُدخل البلاد في مواجهة مع دول الغرب. هذا في جانب المخاوف المرتبطة بالخارج، أما بالنسبة للداخل فقد كرر حفتر تهديداته بأن قواته “ستكون لها الكلمة في اللحظة الحاسمة”، ما يثير مخاوف من سعي حفتر للاستفادة من الإشراف الروسي، من خلال هذا التحالف الجديد والقوة العسكرية المتزايدة التي يزودونه بها، للإعداد لعملية عسكرية جديدة نحو غرب ليبيا، ما قد يُدخل البلاد في حمام دم جديد، فحفتر لا يبدو أنه تخلى عن حلمه القديم في حكم البلاد وبأي وسيلة، حتى ولو كان “التحرير” بحماية الأجنبي وتمكينه من قواعد البلاد العسكرية ومقدراتها الاستراتيجية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر على موقع العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى