الرئيسيةالراي

رأي- إنما الأمم بملاعبها

* كتب/ عبدالله الكبير،

 ليس مهما أن تقف البلاد على مشارف التقسيم الكامل والنهائي، بعد حرب طاحنة على الحدود والثروات الطبيعية، لأجل لا يعلمه إلا الله والدول الكبرى، حسب التقاليد المعمول بها دوليا قبل الخطوة الأخيرة في تقسيم أي بلد منكوب بقياداته المزورة، وليس مهما أن يتعطل مشروع الدستور لمصلحة بعض الأشخاص والعائلات لتحتكر السلطة والمال والنفوذ، مواصلة تحطيمها للوطن.

قبل أعوام أصر الليبيون بكل قوة على انتخاب لجنة إعداد الدستور، وتحقق لهم ما أرادوا، و أنجزت اللجنة مهمتها رغم كل التهديدات والعراقيل، لتأخذ المسودة طريقها إلى الأدراج المهملة تحت طبقات سميكة من الغبار، فلا أهمية للدستور والقوانين لوضع القواعد الأساسية للدولة، ما دمنا قد أنجزنا مشروع صيانة وتطوير ملعب رياضي، فالدساتير لا تبني الدول، أو كما قال المقاول العام: “الدستور هضا دفنقي”، المهم صيانة وتجديد الملاعب الرياضية، ونجلب نجوم العالم في كرة القدم في العقود الماضية بعد نهاية صلاحيتهم، ونبهر العالم بافتتاح ضخم تسير به الركبان.

إنما الأمم الملاعب ما بقيت

فإن همو انهارت ملاعبهم انفلقوا

وفي فقه الأولويات تبدأ الشعوب مشوارها في بناء الدولة بعد الاستقلال أو بعد تغيير النظام بثورة شعبية، بالمشاريع الاستراتيجية العملاقة، الضرورية والحاسمة لبناء الدولة، مثل صيانة ملاعبها القديمة، مع كوبري أو ثلاثة أو سبعة ليطل الناس على بعضهم البعض من زوايا مختلفة، وتؤجل الكماليات مثل اعتماد الدستور، وبناء أو ترميم المؤسسات كالجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية، وإصلاح القطاعات الأساسية كالتعليم والقضاء والصحة، إلى حين استكمال المدينة الأولمبية الحديثة، بكافة ملاعبها ومرافقها.

ليس مهما أن تفقد البلاد سيادتها وتصبح مرعى للمرتزقة والقوات الأجنبية، وتهيمن دويلة طارئة على التاريخ والجغرافيا، على ثروتها النفطية، تحرك بيادقها لقفله أو فتحه وفقا لمصالحها الخاصة. ليس مهما أن يهبط الملايين إلى مادون خط الفقر، في بلد يصنف التاسع عالميا في حجم الاحتياطيات النفطية المؤكدة، لأن صيانة ملعب واحد وإعادة تأهيله بالمواصفات الحديثة، ستقضي على الفقر والبطالة في أقل من شهرين، ثم أي جدوى من الحياة الكريمة للشعب إذا كانت ملاعبه الرياضية غير مطابقة للمواصفات العالمية؟ وأين يلتقط الناس صور السيلفي بعد الوجبات الدسمة، إذا افتقدت البلاد لملاعب تبعث على الفخر أمام شعوب الكامب نو وسان سيرو وأليانز إيرينا وغيرها؟

ليس مهما عجز أرباب الأسر الأقل دخلا عن توفير لقمة العيش لأسرهم، ليس مهما أن يقصى المتفوقون من أبنائها عن مواصلة دراستهم في جامعات دولية مرموقة، بينما تمنح فرص الإيفاد لأقارب المسؤولين، ليس مهما أن تتضخم المليشيات وتهيمن على ما تبقى من هياكل عظمية للمؤسسات مادمنا قد نجحنا في صيانة ملاعبنا الرياضية،

ليس مهما أن نكون خارج التصنيف الدولي في جودة التعليم،  ونحتل أدني المراكز في التقييم الدولي للحريات ومؤشرات الفساد، لأننا سنقفز فورا للمقدمة فور وصول اللقطات الأولى لافتتاح ملعب ضخم يشار له بالبنان، إلى مراكز البحث الدولية المعنية بدراسات مؤشرات جودة التعليم والحرية والشفافية، فلا يقاس تقدم الدول باستقرارها وتماسكها ونموها الاقتصادي، وارتفاع مستويات التعليم والخدمات وتنوع وسهولة المواصلات فيها، وإنما بجمال ملاعبها الرياضية بعد صيانتها.

كل أزماتنا ومشاكلنا ستنتهي ونعبر إلى الاستقرار والازدهار بعد الانتهاء من صيانة الملاعب الرياضية أولا، وبقية الاستحقاقات المدمرة خلال نصف قرن ملحوق عليها، أما البنية التحتية فسوف تتحسن تلقائيا بعد مباراتين على أي ملعب بعد صيانته، وستصبح أزمة السيولة النقدية في المصارف ذكرى من الماضي، لأن وجود ملاعب رياضية حديثة في البلاد يعني التحول الفوري للتعامل الرقمي، وسيقل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، لأن وجود ملاعب حديثة يعني تنويع مصادر الدخل.

ليس مهما تحول البلاد إلى ساحة صراع وتنافس دولي، لأن لدينا ملاعب حديثة نقضي فيها وقتا ممتعا، حتى يفرغوا من صراعاتهم، ثم يرحلون عائدين إلى بلدانهم.

للكاتب أيضا: 

رأي- دع العدو يتجرع مرارة خيباته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى