
* كتب/ خالد الجربوعي،
دولة مدنية.. مطلب يتكرر من كل متحدث يريد نوعية الدولة التي يسعى لها، حقا وباطلا، لأنه ليس كل من نطق هذه الكلمة وهذا المطلب هو حقا يريد هذه الدولة المدنية..
فالدولة المدنية هي دولة المؤسسات والقانون والمواطنة، لا فرق فيها بين مواطن وآخر، ولا بين مسؤول ومسؤول عنه، ولا بين غني وفقير، ولا بين صاحب سلطة أيا كان نوعها ومواطن عادي لا سلطة له، ولا بين سيد وخادم ولا مالك وعامل، فالكل واحد أمام القانون، والكل لهم نفس الحقوق والواجبات، كلا حسب موقعه ومكانه وما يقدمه من خدمة، وما يستحقه من مقابل.. دولة لا أحد فيها فوق القانون مهما كان منصبه، ولا أحد يتصرف بها وبشعبها وثرواتها كما يحلو له، ومتى يحلو له ذلك، ولا أحد يبقى في كرسيه أبد الدهر لا يتغير مهما كنت قيمته وأهميته.
فيما الدولة الأمنية هي تلك التي يحكمها في جل الأحيان العسكر ورجال الأمن، وكل من يدور في فلكهم تحت كل التسميات.. دولة كل شيء فيها يقيّم ويحدد من خلال أمن أصحاب السلطة والكراسي، وعدم التعرض لهم أو معارضتهم فيما يفعلونه، حتى لو كان في غير صالح الوطن والمواطن. دولة يكون فيها الولاء للحاكم وأعوانه، لا لدولة ومؤسساتها، ويكون كل همها توفير الأمن والأمان للحاكم وحاشيته، ومنع أي فعل ضدهم حتى لو كان سياسيا ورأيا شخصيا.. دولة تعتمد على من يكون همهم إرضاء أصحاب السلطة وعائلاتهم وحاشيتهم وأتباعهم.. دولة ينال فيها أبناء الحكام وأصحاب السلطة والكراسي والمقربين منهم كل الامتيازات وكل المكاسب، ويبقى فيها المواطن مجرد رقم وخادم لهم، لا يجب أن يرفع صوته ولا يعارض أي فعل أو قرار يصدره، هؤلاء المتحكمين في البلاد والعباد أيا كان هذا الفعل أو القرار.. دولة تتمتع فيها فئة معينة بأموال وثروات البلاد دون حسيب أو رقيب، وكأنها أموالهم الخاصة، فيكون من حقهم تملك ما يريدون من أملاك الدولة وتحويلها إلى أملاكهم الخاصة، ويكون من حقهم صرف الأموال العامة والتصرف بها كما يريدون ومتى يريدون، فهي كما يقول بعضهم “ثمن انياق ميراث أجدادهم التي تركوها لهم للتمتع بها”.. دولة لا مكان فيها لا لقانون ولا لمؤسسات إلا عند الحاجة لهما في تمرير مصالحهم، أو محاسبة خصومهم، وإلا على بقية أفراد الشعب لا غير، أما هم فإنهم فوق كل قانون، وأهم من كل مؤسسة أيا كان نوعها.. دولة يغيب فيها القانون ويحكمها الأفراد المختارون حسب رغبة الحاكم ومن يسيرون في دربه، وينفذون أوامره على حساب البلاد والعباد.
فهل حقا ونحن نعيش اليوم في مثل هذه الظروف، ونواصل نفس الطريق لتقديس الحاكم وعائلته ونجعل كل من يدور في فلكهم فوق كل قانون، ونحول الأمن وكل المنتسبين إليه من شرطة وعسكر لكي يكونوا في خدمة السلطة وأصحابها، وكل همهم توفير الأمن لهم والمحافظة عليهم ومعاقبة كل من ينتقدهم، أو يحاول إظهار سلبيتهم أو رفض وجودهم، نريد أن نبني دولة مدنية.. ونحن نعيش في ظل دولة بل “لا دولة أصلا” أمنيّة، كل شيء فيها يتوقف عند الأمن والأمان لكل سلطة وأصحابها، ونعيد ما كان بزيادة بكل فخر وامتنان، وندعو بالبقاء لكل طاغية وديكتاتور؛ لكي يبقى لنا يحكمنا ويقودنا كما يحلو له، دون معارضة أو انتقاد، ومن يفعل ذلك يتحول إلى عدو وخصم له ولنا، وعميل وخائن لكل البلاد والعباد.. فهل فعلا بمثل هكذا مواقف ومطالب تكون الدولة المدنية وتسقط الدولة الأمنية التي نهرول لها فعليا دون توقف أو تردد، حتى لو قلنا عكس ذلك ولو وهما وحلما..؟؟!!