* كتب/ هشام الشلوي،
الحياة في جزء كبير من تفاصليها أكل عيش، كثير من المواقف التي نسمعها من مثقفين وإعلاميين هي داخل إطار أكل العيش. وهذا مفهوم في إطاره العام، من حيث إن نخبة واسعة من دول الفقر والحروب وقعت تحت رهان دول المال، وتوزعت مواقفهم تبعا لمواقف تلك الدول.
حقيقةً لا تستطيع لوم شامي أو عراقي أو شمال إفريقي على طلب أكل العيش بما أوتي من معرفة وقدرة على التأثير في الرأي العام، لأنه إما كاتب مجيد للعب بالألفاظ، متأنق في رصفها، بارع في تأليفها، أو صحفي يخرج على الناس في العام بألف وجه ووجه، أو مؤد ومقدم لبرامج السخرية العربية، تلك التي يسمونها “التوك شو”.
وأجادت دول المال العربي استغلال هذا الطيف الواسع من المؤثرين، حتى أن حسابات هؤلاء الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي تخضع لرقابة صارمة ولمعايير هذه الدولة أو تلك، فيما يتعلق بشؤون الثورات والربيع العربي والثورات المضادة والجماعات الإسلامية والأحزاب وحِلّ وحرمة بعض القضايا الاجتماعية.
ولذلك لا يخرج الجدل الدائر بين متوزعي الولاء على تلك الدول عن هذا الأمر في إطاره العام، مع اختلاف تضيق مساحته وتتسع حسب الظرف السياسي الطاغي.
ونرى أن تقارب المتحاربين بالأمس أوقع هذا الطيف من المثقفين والمؤثرين في حيص بيص، وأوقع بالكثير منهم في فخاخ عصية على التخريج أمام الناس. فماذا ستقول لهم بعد كل هذا السيل العرم من السباب والقذف في هذا الطرف أو ذاك؟ وكيف سيراك جمهورك، وأنت بالأمس تصور لهم هذه الدولة أو تلك بأنها مستقر الشيطان أو منبع الإرهاب؟
ما ينقص هذا الطيف العريض القابل للاستخدام، هو المرونة السياسية، إذ إن قادة الدول المتشاكسين لم يجدوا حرجا في مصافحة بعضهم البعض والتقاط الصور بملابس غير رسمية كدليل على الأريحية بينهم، لأنهم يعلمون ويؤمنون أن تلك هي طبيعة السياسة، فلا عدو دائم ولا صديق دائم.
وهذا المبدأ البسيط عادة ما يخفى على أتباعهم، فترى الرجل منهم يندفع كالأعمى يهز أطراف الأرض بقدميه دفاعا وهجوما، حتى إذا أدركه الغرق، غرق. لأنه لم يحسب حساب هذا اليوم، ولم يتمثل قول الشاعر العربي: وَقَد يَجمَعِ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَ ما · يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَلّا تَلاقِيا
أنا لا أتوجع حقيقة للذين لا يبالون في أي معسكر يمسون وفي أيها يصبحون. إنما همي منصب على أولئك الذين يتوجعون، وأرى في مواقفهم الكثير من الجهد في محاولة للنجاة لما هم فيه من رزية، يعصرون أذهانهم محاولين تقليب الأمور وتوليد الفكرة تلو الفكرة لردم البئر المعطلة. خاصة أن الحكام والمسؤولين لا يشعرون بأي مسؤولية أخلاقية أمام شعوبهم وليس مطلوبا منهم كشف حساب أو تبرير، فهم حكام عرب، وذلك يكفي.
أما هذه الطبقة من المثقفين والإعلاميين والمشاهير فهم أبناء مجتمعاتهم، يختلطون بالناس وتختلط بهم الناس، فبأي وجه وبأي رأي جديد سيبررون؟ وتلكم هي المعضلة. المخرج الوحيد لهم أن يقولوا للناس: إنه أكل العيش. فشعوبنا تفهم معنى هذه الجملة وتقدرها تقديرا حسنا.