* كتب/ السنوسي بسيكري،
أصدرت محكمتان بطرابلس ومصراتة أحكاما تقضي بوقف العمل بالضريبة المفروضة بقرار من مجلس النواب على بيع العملات الأجنبية بنسبة 27%، دون أن ترد ردود فعل من الجهات المعنية بإصدار وتنفيذ القرار، وهما مجلس النواب والمصرف المركزي.
عدم التعاطي مع الأحكام المشار إليها ربما يعود إلى أن قرار وقف التنفيذ غير نهائي ومؤقت إلى حين النظر في القضية بشكل بات، وهذا قد يفسر عدم تفاعل السوق الموازية لبيع العملات الأجنبية بشكل كبير مع الأحكام الصادرة والبلبلة التي ثارت بعد صدورهما، فالتراجع في أسعار بيع العملات الأجنبية لم يكن كبيرا وذلك حتى كتابة هذه السطور. كما أن العملية القانونية القضائية ما تزال في بدايتها خاصة إذا قررت الجهات المعنية الاستئناف ضد الأحكام الصادرة.
من ناحية أخرى، فإن الفوضى التي تعيشها البلاد إنما أخذت مداها لأسباب عديدة، من بينها استهانة المسؤولين بأحكام القضاء وتجاهل مؤسسات سيادية عليا لها، وقائمة الأمثلة طويلة أبرزها تجاهل مجلس النواب حكم الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا، أعلى جسم قضائي في البلاد، وبمثابة المحكمة الدستورية، ورفض رؤساء حكومات ووزراء ونواب ومسؤولين بمؤسسات حكومية لأحكام صدرت بحقهم، وبالتالي فإن تجاهل مجلس النواب لأحكام المحاكم لن يكون سابقة، وإذا تجاهلها مجلس النواب، فقد يجد المصرف المركزي حجة في عدم الرضوخ للقضاء حتى إذا أصبحت الأحكام نهائية.
الأهم من ذلك هو الأثر المباشر للأحكام القضائية في حال نزلت الجهات المعنية عند مضمونها، فالخلاف الواقع لا يمضي في ظل ظروف اعتيادية يجعل من النزاع القانوني مسألة طبيعية وتنتهي إلى نتائج مقبولة عبر تفاهمات، ذلك أن التوجه لفرض الرسوم جاء في دوامة خلافات، القليل منها مؤسساتي وجلها خلافات سياسية وشخصية، بل إن الخلاف يأتي في سياق تدافع لتغيير متوقع على مستوى الحكومة التي ساءت علاقتها بالمصرف المركزي، وهي في خصومة مع مجلس النواب منذ عامين.
عليه، فإن سيناريو إلغاء الضريبة على بيع العملات الأجنبية وعودة سعر صرف 4.8 دينار للدولار محتمل، ولكن لن يكون لفترة طويلة، خاصة إذا ظلت المعطيات السياسية والأمنية في البلاد على حالها، ذلك أن التفاهم بين مجلس النواب والمصرف المركزي لم يكن عفويا، وإنما تغذيه عوامل ما تزال لها تأثيرها.
المشكلة أن العودة لسعر الصرف قبل فرض الرسوم سيعيد الوضع الاقتصادي والمالي إلى ما كان عليه عشية فرض الرسوم، بمعنى اضطراب في إدارة النقد الأجنبي وتقييد بيعه وما يتبع هذا من أثر سلبي على أسعار العملات الأجنبية في السوق الموازي.
قد يجنح المصرف المركزي إلى إصدار قرار بتخفيض إضافي لقيمة الدينار من المصرف المركزي نفسه بتفاهم بين أعضاء مجلس إدارته (المتبقين منهم)، خاصة في عدم وجود خلاف بين المحافظ ونائبه، وهو خيار محتمل، إلا أنه يمكن أن يواجه التحديات القانونية ذاتها في ظل صعوبة التئام مجلس إدارة المصرف المركزي وعقده اجتماعا بنصاب صحيح.
الارتفاع في أسعار النفط في الأسواق العالمية من المفترض أن يشجع المصرف المركزي على مراجعة مسألة تخفيض قيمة الدينار سواء عبر الرسوم أو بقرار مباشر لتغيير سعر صرفه، خاصة أن الوضع المالي والنقدي ليس سيئا، شريطة أن يرافق ذلك معالجة الاقتصاد والمالية العامة عبر إصلاحات شاملة. غير أن هذا الخيار لا يمكن تحقيقه في ظل استمرار النزاع السياسي الذي كان له أثره على توجهات الجهات المعنية بالسياسات الاقتصادية.
ولأن الوضع السياسي مأزوم فإن تجنيب الاقتصاد بشكل عام والدينار الليبي بشكل خاص الاضطرابات ليس ممكنا، فالصراع بات شرسا على موارد الدولة المالية، والرشد ما يزال غائبا عن الطبقة السياسية، والشخصنة باتت حاضرة بقوة، والاستقرار سيتعثر ما دام المتصدرون للمشهد هم ذات الأطراف، والمعادلة السياسية الراهنة لم تتغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر على موقع عربي 21
للكاتب أيضا: