* كتب/ موسى أبوقويطين
حينما حطت طائرة رئيس المخابرات التركي إبراهيم كالن بتاريخ 5 سبتمبر الجاري في مطار معيتيقة، للتباحث مع مسؤولين في العاصمة طرابلس، لم يكن دور الوساطة بين أطراف أزمة مصرف ليبيا المركزي هو محور اللقاء فقط، بل كان الملف الأمني حاضرا بقوة، خاصة عند لقائه مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة.
سياق تاريخي
تختلف زيارة كالين لطرابلس هذه المرة عن سابقاتها، وقد جاءت بعد يوم من زيارة الرئيس المصري لأول مرة العاصمة أنقرة، فحديث الوفد كان واضحا عن الخطوات الفعلية لتأسيس جسم عسكري موحد بين قوات الشرق والغرب في ليبيا بالتوافق مع مصر.
القوى الإقليمية
إن فكرة تشكيل مجلس للدفاع، ناتجة عن جهود مفاوضات المخابرات المصرية التركية لتكوين مجلس للدفاع، مكون من أبرز قادة كتائب المنطقة الغربية والشرقية، ويختص المجلس بالتنظيم والدمج والتدريب وتشكيل قوة مشتركة، كما أنه مخول بمراجعة الاتفاقيات الأمنية، والتفاوض مع الدول المعنية لوضع جدول زمني للانسحاب المتزامن من الأراضي الليبية، وكذلك يُعنى المجلس بوضع الخطة الأمنية، لتأمين الدوائر الانتخابية لحماية وتسهيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
من جانبها رشحت مصر صدام حفتر، لقيادة مجلس الدفاع، في المقابل لم يتحفظ الجانب التركي على اسم المرشح نتيجة لتطور العلاقة معه إيجابيا في السنوات الأخيرة، والأهم من وجهة نظرهم، أن يمثل المجلس التوازن العسكري على الأرض، بحيث يكون نائب الرئيس من غرب ليبيا وصلاحياته متساوية مع الرئيس.
حوار ليبي
تسعى مصر حاليا بمسار مُواز وبتنسيق مع تركيا لعقد مؤتمر حوار بين الأطراف الليبية في الربع الأول من العام القادم، يسبق الانتخابات المقبلة، وستدعو إليه القادة العسكريين من الشرق والغرب، وممثلي الأجسام الرسمية التشريعية والتنفيذية، ومكونات مدنية واجتماعية، للاتفاق على ميثاق سياسي وأمني توقع عليه جميع الأطراف، وبحضور الدول الغربية والإقليمية المؤثرة في المشهد الليبي.
الرؤية الأمريكية
لا تتعارض مساعي تركيا ومصر مع الرؤية الأمريكية، فإذا عدنا لزيارة رئيس المخابرات التركي إبراهيم كالن للعاصمة طرابلس، فقد تحدث مع الدبيبة عن الرؤية الأمنية المقبلة، والأجسام العسكرية المستعدة لهذه الترتيبات والمقبولة دوليا، خاصة الولايات المتحدة.
ويمكن تحديد هوية الأجسام العسكرية بالتي نجحت الحكومة في تأهيلها بأن تكون نواة للجيش، من جانب آخر يحرص الأتراك في أثناء المفاوضات مع الجانب المصري، على إدماج الرؤية الأمنية الأمريكية بتشكيل قوة مشتركة تحمي الحدود الجنوبية، لغرض تحجيم الدور الروسي في ليبيا والساحل الأفريقي.
مرشحون
ولو تحدثنا عن المرشحين الأبرز من المنطقة الغربية، كأعضاء في مجلس الدفاع والمقبولين من تركيا والولايات المتحدة، فهم: محمود حمزة؛ رئيس الاستخبارات العسكرية وآمر اللواء 444 (طرابلس)، ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي؛ آمر اللواء 111 (مصراتة) الذي أحرز تقدما في إعادة تفعيل وتنظيم لواء حرس الحدود، وأحمد هاشم؛ آمر اللواء 53 مشاة (مصراتة)، وصلاح النمروش؛ معاون رئيس الأركان العامة للجيش الليبي (الزاوية)، ومحمود بن رجب؛ آمر 52 مشاة (الزاوية)، بينما تسعى الحكومة بتعاون تركي لتسمية شخصية عسكرية تمثل مدينة الزنتان القريبة من قاعدة الوطية العسكرية، والموجودة فيها القوات التركية في الترتيبات الأمنية المقبلة.
الاتفاقية البحرية
تحرص تركيا على توثيق الاتفاقية البحرية وتحصينها في الاتفاق الأمني بينها وبين مصر، فأنقرة لا تجري مفاوضاتها بمعزل عن الاتفاقية البحرية التي وقعتها حكومة السراج مع تركيا عام 2019، فقد كانت حاضرة بقوة على الطاولة، وأثرت بصورة أو بأخرى على تفاصيل الملفين، ومن جانب القاهرة، أبدى المتفاوضون انفتاحا على المطالب التركية، لاسيما الاتفاقية البحرية، في المقابل فإن تركيا لم تكن منغلقة على مقترحات مصر الأمنية في ليبيا ووجودها العسكري هناك.
مخاوف وتهديدات
رغم أن التعاون التركي المصري المتسارع لترتيب وتوزيع القوى في ليبيا سيكون له أثر إيجابي على معادلة الاستقرار، لكن لا تزال هناك تحديات خارجية قد تهدد التعاون بين الجانبين، ومن أكبرها الوجود الروسي ورغبته بالبقاء في ليبيا والتمدد عبرها إلى قارة أفريقيا، كما أن الوضع الداخلي لا يخلو من التعقيدات السياسية والعسكرية، لا سيما في المنطقة الغربية بين الكتائب المتخاصمة على زيادة النفوذ والوجود في المعادلات الجديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر على موقع عربي 21 يوم (24 سبتمبر 2024م)