* كتب/ خالد الجربوعي،
أسميته يوما معبرا للجحيم بسبب ما يعانيه المسافر من خلاله من ازدحام وطول انتظار وإذلال، وغيرها مما يحدث في هذا المعبر، ليس لسنوات فقط بل لعقود ماضية خاصة في فترات العطل وأثناء مواسم السفر.
فمعبر رأس اجدير اسم ومكان أشهر من نار على علم ربما من كل المعابر الدوية بين الدول في الإقليم إن لم يكن في العالم، ربما لا يسبقه شهرة في معابر العالم الحدودية إلا معبر رفح وما يحدث به وما يتعرض له الفلسطينيون عند هذا المعبر طيلة سنوات، وصولا إلى ما يحدث لهم اليوم من وراء هذا المعبر، دون الدخول في تفاصيل ذلك، فهو ليس موضوع هذا المقال.
المهم أن معبر راس اجدير الشهير تحول إلى مشكلة وأزمة ومعاناة لا حل لها، ليس في السنوات الأخيرة فقط بل منذ عقود طويلة، فهو وكما أعرفه شخصيا منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي يعاني نفس الأزمة بين ازدحام ومعاناة للمسافرين، ووساطة ورشاوى وغيرها، وإن اختلفت الأسباب والطريقة والإعداد..
فمما أذكر أنه في سنوات 1982 و 1983 عندما مررت بهذا المعبر أكثر من مرة في تلك السنوات كان الازدحام موجودا، وكانت المعاملة بين بين، خاصة أنه في تلك الأيام لم تكن هناك ممرات للمعبر ولا أكشاك كما للجوازات اليوم، والتي تبقي صاحب السيارة في سيارته حتى المرور بها، خاصة في الجانب الليبي.. بل كانت هناك صالة كبيرة يجب أن يدخل إليها كل المسافرين لتقديم جوازات سفرهم، من أجل ختم العبور والتأكد من تأشيرة الخروج، والدخول التي كانت مطلوبة في تلك الفترة من الزمن.. ثم بعد إتمام إجراءات الختم تبدأ عملية النداء على أسماء المسافرين داخل الصالة، وعندما يعلن المواطن عن نفسه يتم قذف جوازه إليه وسط الازدحام فإن كان محظوظا وصل إلى جوازه بطريقة أو بأخرى، قافزا في الهواء أو عبر أحد المجاورين له، وإلا أصبح جوازه بين الرجلين كما يقال، وعليه البحث عنه وسط الازدحام، أو الانتظار حتى يفرغ ذلك الزحام الذي يحتاج إلى ساعات طويلة أحيانا، وكثيرا ما ضاع ذلك الجواز وعاد صاحبه بخفي حنين..
المهم. تدرج الأمر حتى عودة فتح المعبر بعد انقطاع في نهاية الثمانينيات بسب الخلافات السياسية بين ضفتي المعبر، عندما حدث تغيير نوفمبر وعودة العلاقات في 1987م، وبدء عودة حركة المعبر حتى كان ما كان من محاولة إزالة الحدود وفتح الطريق للدخول دون أي جواز، وسقطت التأشيرة بين البلدين، فكان التردد الكبير من جديد خاصة بسبب عملية ختم جوازات السفر لمن قام بشراء العملة الأجنبية من المصارف الليبية حينها، لإثبات أنه غادر البلاد وعاد إليها حتى يسمح له بتكرار العملية مرة أخرى في السنة التالية..
كان الازدحام، وإن كنت هذه المرة لم أعشه شخصيا إلا من خلال ما ينقله المسافرون الذين ذهبوا بكل عائلاتهم من أطفال وكبار سن وعجائز وشيوخ، من أجل مهمة الختم خاصة.. واستمر الأمر على هذا المنوال، لتزداد حركة المعبر ازدحاما مع إعلان فرض الحظر الدولي أو ما عرف عند الليبيين “بالحصار الدولي”، حين أصبح المعبر وسيلة للتنقل من ليبيا، ليس إلى دولة الجهة الأخرى من المعبر فقط، بل إلى بقية دول العالم.. إضافة إلى تحول تونس إلى وزارة الصحة الليبية، بعد أن أصبحت قبلة للمرضى الليبيين، نتيجة فشل القطاع الصحي وبدء انهياره مع مطلع التسعينيات، بعد أن كانت له مكانته وقيمته قبل ذلك.. وهو أمر يستوجب البحث والدراسة لمعرفة أسباب ذلك، ولا يبقى موضوع الحصار الذي انتهى ومر عليه زمن طويل هو المشجب الوحيد الذي يجب أن يعلق عليه الأمر، خاصة أنه استمر حتى بعد انتهاء الحصار، وعودة الأمور إلى طبيعتها، لكن الوضع الصحي مازال يعاني، والمواطن الليبي هو من يدفع الثمن بحثا عمن يداوي آلامه وأمراضه وراء الحدود، وفي مقدمتها ما وراء معبر راس اجدير.. ليستمر الأمر على ما هو عليه حتى بعد ما حدث من متغيرات سياسية في البلدين بعد2011م، ليزداد حجم الازدحام والعبور، وترتفع معه المعاناة والمشقة على المسافرين من البلدين وخاصة الليبيين.. وتحدث الكارثة هذه المرة بسبب من أصبحوا يسيطرون على المعبر، ويعتبرونه ملكا لهم يفعلون به ما يريدون وما يحلو لهم، حتى لو وصل الأمر إلى إقفاله عند أي طارئ يهدد وجودهم وسيطرتهم.. حتى أصبح المرور عبر هذا المعبر، ولا المرور عبر بوابة الجحيم كما أسميته يوما..
وتمثل بعض الأسباب في ذلك كثرة المسافرين، خاصة في أوقات ومواعيد محددة ومعروفة، ومنها العطلات ونهاية الأسبوع وفصل الصيف وغيرها، فتكون الحركة ربما أكثر من قدرة استيعاب المعبر، إضافة إلى ما يحدث من وساطة وطلب رشاوى على المسافرين، من أجل تسهيل الأمر لهم، وليدفعوا الثمن بالبقاء والانتظار لساعات طويلة، إن لم يكن من أصحاب الحظوة أو الدفع المسبق، دون أن ننسى موضوع المنظومة التي يفترض أنها تسهل الأمر، لكنها في ليبيا كما كل المنظومات أعطالها ومشاكلها أكبر من فوائدها، لتكون إحدى حجج الوقوف وزيادة الانتظار والازدحام.
ثم؛ لنأتي لأمر مهم، وهو ما يفصل بين البلدين ويعتبر من أسباب الازدحام والعرقلة، ألا وهو الباب الفاصل بينهما من الجانب التونسي عند الدخول حيث إنه في الوقت الذي توجد في الجانب الليبي عدة ممرات تسمح بمرور عديد السيارات جنبا إلى جنب تصل إلى 5 أو 6، نجد في الجانب التونسي بابا ومدخلا واحدا يسمح بالدخول، ما يتطلب توحيد كل الممرات الليبية في ممر واحد عند الوصول إلى ذلك الباب، والذي يكون الدخول عبره بطيئا جدا، بسبب ما يحدث في الجانب التونسي من بطء الإجراءات وإنهاء المعاملات، وما يجعل مرور السيارات محدودا إلى أقصى حد، وهو ما يرفع من نسب الازدحام والمعاناة حيث إن المسافر يمكن أن ينهي الإجراءات في الجانب الليبي في أقل من ساعة في بعض الأحيان، وعندما تكون الأمور سلسة وميسرة، لكنه يبقى ما بعد المرر بالجانب الليبي وانتظار الدخول إلى الجانب التونسي بالساعات الطويلة، حتى يتمكن من ذلك بسبب هذا الباب البطيء، رغم أنه من فترة تم التوافق على باب إضافي لم يغير من الأمر شيئا، خاصة أن الباب الإضافي كان مجرد شكلي إلى حد كبير دون استعمال إلا نادرا، وهو ما زاد في حجم الازدحام وطول الانتظار.
واليوم والمعبر مقفول لأسباب عدة، آخرها إجراء عملية تهيئة وصيانة كاملة من الجانب الليبي وإعادة تجهيزها ببنية تحتية مناسبة لتوفير معبر مناسب حديث، يوفر كل وسائل الراحة واليسر للمسافر، نجد أن لاشي يمكن أن نراه في الجانب التونسي إلا إضافة باب أو اثنين، نأمل أن تكون فاعلة ومفتوحة طيلة الوقت، وتساهم في تيسير حركة الدخول.. وإلا فإن كل ما يحدث على الجانب الليبي من عمل لن يكون له أي فائدة أو قيمة، إن لم يستوعب الجانب التونسي ذلك، وهو أمر يجب أن يكون شرطا أساسيا طيلة الوقت، لبقاء المعبر مفتوحا، خاصة لما له من أهمية لدى مواطني الجانب التونسي وتأثيره على حياتهم اليومية، التي تعتمد عل ما يدخل من هذا المعبر.. دون أن ننسى أنه يجب العمل على إضافة معابر أخرى جديدة بين البلدين؛ لتسهم في توزيع الحركة، خاصة وأنه يوجد بين تونس والجزائر حوالي 8 أو 9 معابر حدودية، رغم أن حركة التنقل مع الليبيين ربما تكون أكثر من غيرهم، فلماذا يقتصر الأمر مع ليبيا على معبرين فقط؟
وطبعا دون أن ننسى ضرورة أن يكون المعبر من الجانب الليبي تحت سلطة رسمية بكل فئاتها وأركانها، دون أي وجود لجماعات مسلحة أيا كان نوعها، جهوية أو قبلية أو غيرها، فهل يحدث ذلك بعد عودة العمل بالمعبر أم أن الأمر سيكون كما السابق مجرد محاولات لا واقع لها؟ ننتظر النتائج. وعندها يكون لكل حادث حديث.
للكاتب أيضا: