العربي الجديد-
بلغت نسبة قبول طلبات الحصول على تأشيرة “شنغن” بالنسبة إلى الليبيين عام 2022، نحو 74 في المائة، من أصل 16 ألفاً و543 طلباً. ويُعَدّ معدل القبول مرتفعا مقارنة مع دول الجوار، وأكثر ارتفاعاً قياساً بالسنوات الماضية، ما يعكس نظرة أوروبية إيجابية حيال الواقع الأمني في ليبيا، على الرغم من زيادة انتشار السلاح والجريمة خلال السنوات العشر الأخيرة، وعدم قدرة الدولة على السيطرة بسبب انقساماتها السياسية.
وعلى الرغم من أن العامين الأولين عقب الثورة الليبية لم يشهدا تغيرات كبيرة على مستوى العلاقات مع الأوروبيين، لكن اندلاع الصراع في البلاد بحلول عام 2014 في كل من طرابلس وبنغازي، طاولت آثاره منافذ البلاد الرئيسية، ولا سيما المطارات والمقار الدبلوماسية كالقنصلية الأميركية في بنغازي، وتعرّض الكثير من مقارّ السفارات في طرابلس لعمليات هجوم مسلحة ومحاولات لتفجيرها، إلا أن أغلب طواقم تلك السفارات عادت للعمل من مقارّها، كما عادت مطارات البلاد إلى تسيير حركة الملاحة الجوية، فيما نشطت الشركات الأجنبية مجدداً.
وأهداف السفر بالنسبة إلى الليبيين عديدة، منها الدراسة أو التجارة أو العلاج أو العمل أو السياحة. خلال السنوات الأخيرة، بات شباب كثر يسعون للهجرة، أو المكوث والعمل في أيٍّ من الدول الأوروبية، ولو بطريقة غير قانونية، والمغامرة بكل ما يحمل ذلك من تحديات ومشاكل واحتمال الغرق والموت. هذا ما يقوله الشاب الليبي أنور فرحات، الذي اختار الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا عقب اندلاع الحرب في طرابلس عام 2014. ويوضح في حديثه لـ “العربي الجديد” أنه تواصل مع أهله لمساعدته في العودة إلى البلاد، بعدما فشل في الحصول على إقامة رسمية تؤهله للحصول على وظيفة يمكنه من خلالها تحقيق أحلامه. ويؤكد أن دافعه إلى الهجرة كان البحث عن فرصة عمل لم يجدها في مسقط رأسه في صبراتة (غرب طرابلس)، ولا في غيرها من المدن.
وبسبب ترك أغلب السفارات الأجنبية البلاد، وعملها من دول قريبة من العاصمة، ولا سيما تونس، أعرب الكثير من الراغبين في الحصول على تأشيرات من أجل الدراسة أو للعلاج عن معاناتهم للسفر إلى تونس، وخصوصاً أن أغلب طلبات الحصول على التأشيرات تُرفَض من دون ذكر أسباب.
ويقول عصام البتي لـ”العربي الجديد”: “قبل 2011، لم أتلقّ أي رفض، وزرت دولاً أوروبية عدة، لكن الوضع تغير بين عامي 2014 و2021، ورفضت أكثر من مرة، وكان آخرها من السفارة الفرنسية، بحجة عدم ملاءمة موعد السفر”. يضيف: “لم أفهم معنى ذلك العذر، وقد كلفني طلب التأشيرة الكثير من المال”. وفي ظل تأزم الوضع الأمني الداخلي وأزمة المهاجرين غير النظاميين وتحول ليبيا إلى ممر رئيسي لها، باتت شواطئ البلاد الشمالية محطات رئيسية للهجرة إلى الشمال، الأمر الذي دفع كثيرين إلى استسهال الهجرة”.
ويشرح البتي، الذي تواصل مع بعض الناشطين عند نقاط تهريب، المنتشرة على سواحل مناطق غرب طرابلس، أن “الهجرة تعتمد على المهرّبين الذين يجري التعامل معهم، وحجم ومتانة القارب أو الزورق أو جرافة الصيد، ومدى نفوذ العصابة لدى الجهات الأمنية، وخصوصاً حرس السواحل والمليشيات، بالإضافة إلى نقطة الانطلاق والفصل السنوي. فالأسعار تنخفض في الصيف وترتفع شتاءً بسبب الأحوال الجوية”.
يضيف: “يزداد إقبال الشباب على قوارب الهجرة مع إعلان منظمات الإغاثة الدولية وجود سفنها بالقرب من المياه الإقليمية الليبية”، موضحاً أن “وجود سفن الإنقاذ الأوروبية يختصر المسافة. وبدلاً من إيطاليا البعيدة، يكفي قطع نحو 20 ميلاً بحرياً إلى إحدى السفن التي تعلن موقعها على خرائط غوغل، ما يسهّل ويسرّع الوصول، والأمر الآخر يتعلق بإلزامية الدول التي تستقبل مَن تُقلّهم تلك السفن وتوفر مراكز إيواء لهم، وبالتالي تزداد فرص البقاء هناك”.
ويظهر الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في يوليو 2016، مواطناً ليبياً يركب قارباً برفقة مهاجرين، مغامراً بابنته التي تعاني من مرض السرطان. ولأنه عجز عن تأمين العلاج لابنته، اختار الهجرة.
ويؤكد الناشط المدني رمزي المقرحي، تراجع إقبال الشباب على الهجرة عبر قوارب الموت، بسبب “تحسن الظروف المعيشية والأمنية في البلاد، وحملة الحكومة الأمنية المشددة على المهربين في مناطق غرب طرابلس التي توجد فيها مناطق تهريب المهاجرين”. يضيف: “الظروف التي توافرت الآن مؤقتة. فكلا العاملين مرتبط بوجود الحكومة، أي الاستقرار السياسي. فإذا ما حدث تراجع في الاستقرار النسبي الحالي ضمن الصراعات السياسية الحالية، فستسوء الظروف وترتفع معها أسباب الهجرة”.