وال-
سلطت دراسة بحثية محلية الضوء على التنامي الغير المسبوق لمنصات التواصل الاجتماعي وتزايد المستخدمين لها يومًا بعد يوم، وتأثير تطبيقاتها الرّقمية على السلوك اليومي للمستخدمين من مختلف الفئات العمرية، بعد أن تحولت لمنبرً عام لتداول المعلومات.
واستهلت الدراسة التي -أعدها الصحفي “أشرف الفاخري” وفريق بحثي متخصص- بلفت النظر إلى أن عدم وجود قيود على تداول المعلومات الرّقمية وعدم وضوح المسؤولية القانونية في التوظيف غير الرشيد للتقنية، ساهم إلى حد كبير في صعوبة تحديد المعلومات الصحيحة التي يمكن الوثوق بها والتحقق من مصداقيتها.. مبينة أن ليبيا تمر حاليًّا بمرحلة انتقالية حرجة يرافقها تدفق هائل من المعلومات الخاطئة والخادعة وهو ما يفرض دومًا على مستخدمي الإنترنت الحذر من خطأ الوقوع في المعلومات المضللة، والتثبت الدائم من محتواها، ودوافع منتجيها.
واستشهدت الدراسة التي تحصلت عليها وكالة الانباء الليبية بتقرير ( Digital 2023 ) الذي حصر عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا بـ (5.65) مليون مستخدم في يناير 2023، أي ما يعادل (82.5) في المائة من إجمالي السكان.
وتوصّلت الدراسة التي هدفت إلى تشخيص وتوصيف مستوى تعامل مستخدمي الإنترنت مع المصادر والوقائع إلى أن متوسط الوقت الذي يقضيه مستخدمو الإنترنت في ليبيا على منصات التواصل الاجتماعي يصل إلى 6-8 ساعات يوميًّا، وبهذا المتوسط الزمنى يعتبر العالم الرّقمي أحد أهم مصادر الحصول على المعلومات في ليبيا إلى جانب مصادر أخرى متعددة.
واعتمدت الدراسة التي ارتكزت على ثلاثة محاور رئيسة هي (معرفة مصادر المعلومات لدى مستخدمي الأنترنت – قياس درجة الموثوقية للمعلومات الواردة إليهم من منصات التواصل الاجتماعي – قدرة الجمهور على التحقق من المعلومات وتقصِّي الحقائق) على منهجية التحليل التجميعي، التي تقوم على التقييم بعد تجميع البيانات، وجاءت بمشاركة 100 مشاركٍ من مستخدمي الإنترنت في ليبيا.
وأوضحت النتائج أن (75) % من مستخدمي الإنترنت يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي في الوصول إلى المعلومات في حين تشكّل المصادر الرسمية والإخبارية والمصادر الشخصية (25) % من مصادر الحصول على المعلومات، حيت يأتي فيسبوك في مقدمة مصادر البحث وتلقّي المعلومات بنسبة تصل إلى (84.5) % يليه بالتوالي تويتر، تيك توك، يوتيوب، واتساب ثم إنستغرام وسناب شات، كما بينت أن (35.7) % من روّاد المنصات الرقمية هم من يتثبّتون من صحة الأخبار والمعلومات قبل تداولها وإعادة نشرها.
وأظهرت الدراسة أن تدني نسبة عدم التّثبت من المصادر والمعلومات يٌضاعف من خطر وقوع مستخدمي الإنترنت ضحايا التلاعب والفبركة الرقمية، وارتفاع مؤشر الخطر، مشيرة إلى أن (26.2) % من روّاد هذه المنصّات يعتمدون على تلقّي المعلومات من الصفحات الشخصية (المدونين – النشطاء -والإعلاميين) و (54.8) في المائة لا يقومون بالتحقق من المعلومات والأخبار التي تصلهم عبر المنصات الرقمية.
ووفقا للدراسة تنتشر اليوم الأخبار الكاذبة انتشار النار في الهشيم إلا أنّ الفريق البحثي توصّل من خلال العيّنة إلى أن (51.2) % من عيّنة البحث ليسوا على دراية كافية بمفهوم الأخبار المضللة والكاذبة، وهو ما ينذر بأنهم غير مُدركين لخطورة التضليل والعواقب الناجمة عنه.
ونبهت الدراسة أن عيّنة البحث التي شارك فيها مستخدمو الإنترنت من فئات عمرية مختلفة وخلفيات معرفية متفاوتة تندر أن نسبة ثقة المستخدمين في الصور والفيديوهات المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي متفاوتة، وبالمقابل يتعذّر على 65.5 % من المستخدمين إمكانية كشف الفبركة والزيف في الصور والفيديوهات و85.5% لم يقوموا بالبحث العكسي للصور للتأكد من صحتها.
وفيما يخص صحة النصوص يتعذر على 54.8% من المستخدمين التثبت من صحة المعلومات والقراءة النقدية للمضامين الإعلامية وقد اعتبر (31) % من العيّنة أنهم غير مطالبين بالتدقيق والتثبت من المعلومات وأنها مهمة الوسائل الإعلامية.
وأشارت الدراسة إلى أنه على مدار السنوات الماضية، تم إخبار الأطفال بعدم تصديق كل ما يشاهدونه عبر الإنترنت، ولكن يمكن أن يحتاج الأمر الآن إلى توسيع نطاق هذه النصيحة لتشمل البالغين، فقدرة تحليل المضامين الإعلامية ومعرفة الدوافع تحتاج إلى إدراك وفطنة من المتلقّي ولهذا تعمّقت الدراسة أكثر لتكتشف أن 67.4% لم يسمعوا أو يبحثوا في مجال التربية الإعلامية والمعلوماتية و80% منهم غير قادرين على حماية حساباتهم الرقمية.
وخلصت الدراسة إلى أنه من المعطيات السابقة ينصح الفريق البحثي بالتعامل مع المعلومات في ضوء مفاهيم إدارة الأزمات بما تتضمنه من إجراءات استباقية احترازية وضرورة متابعة الأزمات الحياتية والسياسية وغيرها من الأزمات لمجابهة التضليل المتزامن والمتغير.
كما أن جهود مدققي الحقائق في بث ونشر الرسائل التصحيحية استطاعت التقليل من مصداقية المعلومات، غير أنها لم تستطع وقف انتشارها، ولهذا يتوجب إجراء دراسات معمقة لمعرفة دوافع التضليل، وإشراك الجمهور؛ ليكون جزءًا من عملية توليد الحجج المضادة للتضليل، كما يجب على المؤسسات التعليمية تعزيز حالة من التشكك الصحي فالمسؤولية مجتمعية وليست إعلامية ، كما أن انتشار المعلومات المضللة والأخبار المفبركة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحرية تدفق المعلومات من المصادر الرسمية والمصادر الموثوقة، وبالتالي يجب إشراك الوسائل الحكومية (مكاتب إعلامية – وسائل إعلام عامة..) للمساهمة في حرية تدفق المعلومات وحق النفاذ إليها.
ونصحت دراسة الفريق البحثي الذي ضم (باحث اجتماعي – مدقق بيانات – محلل إحصائي- مصمم جرافيك) بتدريب الصحفيين وممارسي المجال الإعلامي على صحافة الهاتف النقال لمواكبة الأحداث المتسارعة، مما يُسهم في خلق بيئة عمل إعلامية تتسم بالشفافية وإتاحة المعلومات من مصادرها الموثوقة بسرعة تواكب صحافة المواطن أو الصحافة الرقمية، مع ضرورة التأكيد على مفاهيم التربية الإعلامية التي تعتمد على تنمية الوعي في التعامل مع مصادر المعلومات وفي تقييمها وتحليلها.