الأناضول-
في 4 يناير الجاري، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة القبض على القيادي البارز في تنظيم “داعش”، هاشم أبو سدرة؛ مما أعاد إلى الأذهان حقبه سيطرته قبل سنوات على مدينة سرت شرق العاصمة طرابلس.
وخلال أشهر من سيطرته على سرت، حوّل “داعش” المدينة إلى ما أسماها “إمارة إسلامية”، ثم تقدم حتى منطقة السدادة (90 كلم جنوب شرق مدينة مصراته الإستراتيجية)، لكن كتائب مصراتة، الموالية للمجلس الرئاسي آنذاك، تمكنت من وقف تقدمه.
وأطلقت هذه الكتائب عملية عسكرية باسم “البنيان المرصوص”، وبعد أشهر من القتال، تمكنت من طرد مقاتلي “داعش” من سرت الساحلية.
وفي 17 ديسمبر 2016، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني حينها فائز السراج تحرير سرت من “داعش”، ولكنه أكد أن الحرب على التنظيم في ليبيا لم تنته بعد.
ولاحقا تبنى “داعش” هجمات جنوب ووسط البلاد، وبعد عامين من تحرير سرت، أعلن مسؤوليته عن ثلاث هجمات استهدفت مقارٍ حكومية في طرابلس.
ففي مايو 2018، هاجم مسلحان مقر مفوضية الانتخابات، وأطلقا النار على الموظفين، قبل أن يفجرا جسديهما داخل المقر إثر محاصرته من جانب قوات الأمن؛ مما خلّف 13 قتيلا من موظفي المفوضية.
وفي سبتمبر من العام نفسه، هاجم ستة مسلحين مقر المؤسسة الوطنية للنفط؛ مما أسفر عن قتيلين وعشرة جرحى، وفي 25 ديسمبر، هاجم مسلحون مقر وزارة الخارجية؛ ما أودى بحياة 3 أشخاص وأصاب 21 بجروح.
ورغم إلقاء السلطات القبض على العديد من قادة “داعش” خلال السنوات الماضية، إلا أن التنظيم لا يزال متواجدا ويشكل خطرا؛ مما أثار تساؤلات بشأن طبيعة تواجده وعدد عناصره ومصادر تمويله وكيفية استمراره.
ضربة موجعة
المستشار العسكري السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي عادل عبد الكافي قال للأناضول إن “القبض على ما يُسمى “والى تنظيم الدولة”، هاشم أبو سدرة، يعتبر ضربة موجعة للتنظيم.
وأوضح أن أبو سدرة قيادي مهم، ومشرف على تدريب بعض العناصر التي يُطلق عليها “الذئاب المنفردة”، والتي تنفذ عمليات فردية خاصة كتلك التي تعرضت لها مواقع حساسة ومهمة، كما يتولى إدخال الإرهابيين إلى ليبيا وتنظيم تنقلهم بين المدن والقرى.
وتابع: “لذلك فإن القبض عليه يشكل نقطة تحول مهمة جدا في إضعاف داعش عبر استهداف قيادته، رغم أن هيكليته تتيح له سريعا استبدال قيادته التي تتعرض للقبض عليها أو القتل”.
عبد الكافي أضاف أن “داعش ينتهج استراتيجية الاختفاء ثم الظهور، ففي حال وجود تكثيف أمني وعسكري، يختفي عناصره في مجتمعات محلية كمواطنين عاديين، ثم يظهرون”.
تفكك الأجهزة الأمنية
و”داعش عبارة عن أجندة يُدفع بها داخل الدول لزعزعة الأمن واستغلال حالة السيولة الأمنية والعسكرية في الدول التي تعاني من حروب داخلية وعمليات تمرد وانتشار السلاح، وهو الحال في ليبيا”، وفق عبد الكافي.
وأردف: “لهذا استغل التنظيم تفكك الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية (في ظل الانقسام الراهن) ويوسع عملياته وقاعدة انتشاره داخل ليبيا، ولا أستبعد أن أجهزة مخابرات خارجية تحركه لاستغلال حالة عدم الاستقرار لتحقيق مصالحها”.
ومنذ سنوات، يتعذر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلد الغني بالنفط؛ جراء خلافات سياسية، وتوجد منذ مطلع عام 2022 حكومتان وأجهزة حكومية عديدة منقسمة، مع جهود ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء هذا الوضع عبر إجراء الانتخابات.
وأضاف عبد الكافي أن “داعش استغل كذلك حالة التفكك الأمني الحاصلة في الحدود الليبية المشتركة مع تونس ومصر وتشاد والسودان والجزائر والنيجر، ودفع بالعديد من العناصر عبرها، وأصبحت الحدود الجنوبية مستباحة”.
واستطرد: “توجد ممرات تتحكم فيها عصابات الجريمة المنظمة، التي لا يعنيها استقرار الدول، وجزء منها تستخدمه هذه التنظيمات كممر السلفادور بين ليبيا والجزائر والنيجر”.
وشدد على أن “هذه الممرات لا يمكن السيطرة عليها إلا باستخدام طائرات، بينما لا تمتلك ليبيا القدرات الجوية لتحقيق الأمن ومراقبة الممرات الجبلية الوعرة والصحراء الشاسعة الممتدة لآلاف الكيلو مترات”.
“كذلك يستغل داعش الفراغ الأمني في الحدود لتمويل عملياته عبر الهجرة غير الشرعية، إذ يستخدمها كشريان لتغذية عناصره وجباية الأموال، والسيطرة على مواقع الذهب في إفريقيا وليبيا، وبيع وقود (مسروق)، إلى جانب تمويلات من أجهزة مخابرات خارجية”، بحسب الخبير العسكري.
وتابع أن “بعض الدول تشهد فوضى أمنية جراء صراعات، مثل السودان والنيجر وكذلك غياب سيطرة الجيش التشادي على مناطق حدودية مع ليبيا، ولذلك داعش يستطيع الاختباء في هذه الدول ثم الانطلاق لتنفيذ عمليات في ليبيا”
بيئة جاذبة
وبحسب الباحث الموريتاني في شؤون الجماعات الإرهابية محمد الأمين الداه، في حديث مع الأناضول، فإن “ليبيا بيئة مناسبة لداعش، فالدول التي تشهد توترات ونزاعات على السلطة تمثل بيئة جاذبة للجماعات المسلحة”.
وأضاف أن “أهم العوامل المساعدة على عودة داعش بقوة هي النزاعات المسلحة بين الأطراف في ليبيا ووجود مناطق متنازع عليها أو خارجة عن سلطة الدولة، وهذه البيئة تساهم في توفير فرصة لحصول التنظيم على الأسلحة والمعدات القتالية”.
الداه أوضح أن “استمرار هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية عامل مساعد جدا لداعش، والتنظيمات الإرهابية بطبيعتها تنمو في ظل الأوضاع الهشة، وتستغل الخروقات الأمنية للانتشار وتسديد الضربات وجمع المعلومات”.
وأردف: “بالتالي ستظل سرت وطرابلس وحتى درنة (شرق) وكل المناطق التي تعرَّضت فيها داعش لضربات قوية، مناطق قابلة لأنشطة التنظيم طالما استمرت هشاشة الأوضاع الأمنية والأزمة السياسية”.
آلاف المقاتلين
ورجح الداه أن “اعتقال أبو سدرة سيسهم في كشف مرحلة انتشار التنظيم وآلية وعدد العناصر المستقطبة، والمتوقع أن تصل لحدود الآلاف، والتنظيم يعمل حاليا في ليبيا كخلايا نائمة، وعناصر نشطة لتجنيد الشباب والعناصر المقاتلة وربط علاقات بسماسرة السلاح”.
وتابع أن “ما يحدث في الجوار الليبي له التأثير القوي والمباشر على تنامي الحركات الإرهابية، خاصة في الحدود الجنوبية، حيث انتشار الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في تشاد والنيجر”.
ومضى قائلا: “لذلك ستكون المناطق الأقل تبعية للسلطة السياسية في ليبيا أو الأضعف في الحضور الأمني، بؤرة لداعش وعناصره النائمة”.
و”ليبيا كانت في السابق معقلا لداعش، وسبق أن سيطر وانتشر في مدن كبيرة، وأقام استعراضات عسكرية ونسق انطلاقا منها عمليات ضد بعض دول الجوار، قبل أن يتراجع حضوره في البلاد؛ تحت الضربات القوية التي تلقاها ومقتل العديد من قياداته واعتقال بعضهم وآخرهم هاشم أبو سدرة”، كما لفت الداه.