العربي الجديد-
تعزز الاشتباكات الدائرة في العاصمة الليبية طرابلس من انفلات قطاع النفط، بينما أضحت عمليات تهريب المحروقات أكثر تنظيماً وتشعباً في ليبيا، لتسلك 5 مسارات آمنة تحت غطاء من فصائل مسلحة وعاملين في مصاف ومواقع لتخزين النفط وتداوله في مناطق متفرقة من البلاد، بينما يتحدث مسؤولون حكوميون بين الحين والآخر عن تشديد القبضة الأمنية بوجه المهربين وتضيق الخناق عليهم.
ولا تقتصر تجارة المحروقات في ليبيا على باعة متجولين عبر الأرصفة والطرقات في المناطق الحدودية والنائية، بل تمتد إلى سوق تجرى فيه عمليات البيع والشراء بالتجزئة والجملة لناقلات برية تسير في دروب عدة حتى وصولها إلى سفن مخصصة لنقلها إلى جهات خارجية، وفق سكان محللين ومحللين لقطاع الطاقة تحدثوا إلى “العربي الجديد”.
ويحظى الوقود في ليبيا بدعم قوي من الحكومة، ما يجعل سعره في مستوى أقل من يورو واحد للصفيحة سعة 20 ليتراً، ليصبح تهريبه باباً للإثراء في البلد الذي يشهد انفلاتاً أمنياً وصراعات سياسية ومسلحة مستمرة منذ أكثر من 10 سنوات.
يقول المحلل الاقتصادي الليبي عبد الهادي الأسود لـ”العربي الجديد” إن سعر ليتر البنزين يكلف الدولة نحو 1.5 دولار، بينما يباع بسعر مدعوم بقيمة 0.15 دينار (0.03 دولار)، لافتاً إلى أنّ الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد والصراعات المسلحة المندلعة بين الحين والآخر والحدود المفتوحة تزيد من عمليات تهريب الوقود.
5 مصافٍ لتكرير النفط
وتعتمد ليبيا على 5 مصافٍ لتكرير النفط، يغطي إنتاجها 30% من احتياجات السوق المحلي، بينما تعتمد على استيراد المنتجات المكررة لتغطية 70% من الاحتياجات، إذ تنفق الدولة نحو 4.9 مليارات دولار سنوياً لدعم المحروقات وفق البيانات الرسمية.
وأضحت عمليات التهريب تسلك مسارات آمنة، وفق علي البوسيفي من قرية نسمة التي تبعد 233 كيلومتراً شمال طرابلس، التي ينشط أشخاص فيها في تهريب الوقود، موضحاً لـ”العربي الجديد” أن عمليات التهريب لم تعد تعمل في الخفاء وتجري عبر سلسلة من التنسيقات ابتداءً من مصفاة الزاوية على الساحل الغربي لليبيا وصولاً إلى طرابلس ثم بني وليد (شمال غرب) وبعدها إلى الجنوب الليبي أو إلى خارج الدولة.
يعتبر البوسيفي أن البطالة وعدم وجود فرص عمل جعلت الكثيرين يبحث عن الطرق السهلة للكسب ومنها تهريب المحروقات. وفي لقاء لـ”العربي الجديد” مع أحد سائقي قاطرات الوقود طلب عدم ذكر اسمه، أوضح أنه يعمل في التهريب منذ ثلاث سنين وأن “جميع المسالك آمنة ولا توجد مسارات وعرة”، مضيفاً أنّ العمليات تجرى برعاية مجموعات مسلحة تطلب إتاوات أو نسباً مالية من قيمة الشحنة.
ويلفت إلى أنّ هناك خمسة مسارات، الأول من طرابلس إلى بني وليد ومن ثم إلى الجنوب الليبي، والمسار الثاني عبر مصفاة الزاوية إلى منطقة زوارة غرب طرابلس (على ساحل البحر المتوسط)، وصولاً إلى التعبئة في ناقلة بحرية، ومسار ثالث عبر الزنتان (جنوب غرب طرابلس) إلى خارج البلاد، والرابع عبر جبل نفوسة (شمال غرب) إلى نالوت (أقصى الغرب) ثم إلى خارج الوطن، والمسار الخامس في الطريق من طرابلس إلى غريان (شمال غرب) إلى مزدة في الجبل الغربي لتسلك طريقاً صحراوياً نحو خارج البلاد.
وأضحت عمليات التهريب تجد ظهيراً مالياً من خلال بعض شركات الصرافة العاملة في البلد والتي تُسهل التحويلات المالية التي تصل إلى المهربين بمئات آلاف الدنانير يومياً، وفق حسين جمعة صاحب إحدى شركات الصرافة في طرابلس. ووفق سكان محليين في مدينة زوارة (غرب) فإن عمليات التهريب لم تعد تجرى في الليل وإنما في وضح النهار.
ويحذر مسؤول في قطاع النفط من اتساع نطاق التهريب في ظل الاشتباكات المتجددة في طرابلس، لافتاً إلى أنّ نشاط المهربين يتعزز في ظل الانفلات الأمني واحتدام الصراع على السلطة.
أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا
كانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا” قد توقعت في تقرير لها في ديسمبر 2020 تجاوز خسائر ليبيا بسبب الصراع الدائر تريليون دولار في حال تواصل الحرب والاضطرابات، مشيرة إلى تعرض الاقتصاد لانكماش حاد في ظل التدمير الذي تعرضت له الأصول في الكثير من القطاعات الاقتصادية، فضلاً عن تهاوي احتياطيات النقد الأجنبي.
وتمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا وتمثل الصادرات البترولية 95% من عائدات البلاد. ولطالما أعربت المؤسسة الوطنية للنفط عن سعيها إلى زيادة صادرات البلاد من الخام. وأعلنت المؤسسة في ليبيا، نهاية يوليو الماضي، أنها تهدف إلى إعادة الإنتاج إلى 1.2 مليون برميل يومياً في غضون أسبوعين، من 860 ألف برميل يومياً حينها، لكن محللين في قطاع النفط يعربون عن مخاوفهم من تأثر عمليات الإنتاج والتصدير بالاشتباكات التي اندلعت في طرابلس منذ يوم الجمعة الماضي، خصوصاً في حال اتساع نطاقها.
وتشير تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط إلى أنّ ما بين 30% و40% من الوقود المكرر في ليبيا أو المستورد من الخارج يتعرض للسرقة أو التهريب.