العربي الجديد-
تشهد مناطق قطاع شمال غربيّ ليبيا سيطرة تدريجية لقوات وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية على مدى الشهرين الماضيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشدد فيه الوزارة على ضرورة تنفيذ خططها الرامية إلى إخلاء العاصمة طرابلس ومناطق غربيّ البلاد من مجاميعها المسلحة وإبدالها بالقوات الشرطية والأمنية، فيما يربط خبراء بين هذا النشاط الأمني بحراك أمني آخر خارجي يقف وراء هذا التمدد الحكومي في مناطق غربيّ البلاد. فما خلفيات اشتباكات غرب ليبيا؟
ومساء الأربعاء (08 مايو 2024م) عاد الهدوء إلى كامل منطقة الجميل (130 كم غرب طرابلس) بعد ساعات من الاشتباكات، فيما أعلنت قوة تابعة لوزارة داخلية حكومة الوحدة الوطنية انتشارها في كامل المنطقة بعد إخلائها من المجموعات المسلحة.
اشتباكات غرب ليبيا
واندلعت الاشتباكات في الجميل بشكل متقطع على خلفية وصول مجموعات مسلحة من مدينة الزاوية وانتشارها في أحياء متاخمة للجميل تُستخدَم مساحاتٍ وطرقاً للتهريب عبر الحدود الغربية للبلاد، التي لا تفصلها عن الجميل سوى 60 كم، ما أدى إلى معارضة أهالي المنطقة واندلاع الاشتباكات باستخدام الأسلحة المتوسطة.
وليست المرة الأولى التي تشهد فيها مناطق غرب طرابلس في اتجاه القطاع الغربي للبلاد اشتباكات فجائية بين مجاميعها المسلحة. ففي نهاية فبراير الماضي وبداية مارس شهدت مدينة الزاوية (30 كم غرب طرابلس) اشتباكات ضارية بين مختلف مجاميعها المسلحة. وفي نهاية مارس شهدت مدينة زوارة توتراً أمنياً عالياً على خلفية إرسال وزارة الداخلية فرقاً تابعة لها لتسلّم منفذ رأس جدير الحدودي من مليشيات زوارة للسيطرة على عملية تسيير المنفذ، قبل أن تعلن الوزارة قفل المعبر بسبب ممانعة تلك المليشيات التي تسيطر عليه.
وفي مطلع إبريل، شهدت مدينة العجيلات، الواقعة بنحو 70 كم غرب طرابلس والمحاذية لمنطقة الجميل، اشتباكات أيضاً، وأعقب كل هذه الاشتباكات تدخل من وزارة الداخلية للسيطرة على الأوضاع ونشر قواتها بدلاً من قوة المجاميع المسلحة في هذه المناطق.
وعلى الرغم من أن وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي أعلن في نهاية فبراير الماضي عزم وزارته على إخلاء العاصمة طرابلس من التشكيلات المسلحة وإحلال قوات الوزارة بدلاً منها، وجدد هذا في إعلان الأسبوع الماضي، إلا أن عمليات سيطرة قوات الوزارة اتجهت إلى مناطق غرب طرابلس، وصولاً إلى المنفذ الحدودي مع تونس ومنطقة الجميل أخيراً.
وإثر ممانعة تشكيلات زوارة المسلحة تسليم منفذ رأس جدير الحدودي للوزارة، أعلنت الأخيرة نهاية مارس الماضي غلق المنفذ والدخول في سلسلة من المفاوضات مع مسلحي زوارة، انتهت بتسليم المنفذ للوزارة التي أدخلت عناصرها وبدأت ترتيبات لإعادة افتتاحه بالتنسيق مع الجانب التونسي، وفقاً لإعلان الطرابلسي خلال زيارته الأخيرة لتونس ولقائه نظيره التونسي الاثنين الماضي.
سيطرة قوات حكومة الوطنية غرباً: لتأمين قاعدة الوطية
لكن المهتم بالشأن السياسي، عيسى همومة، يرى وجود رابط بين حالة التوتر المسلح التي شهدتها مناطق غرب طرابلس وسيطرة قوات وزارة الداخلية من جانب، والحراك الأمني الأميركي غير المعلن في المنطقة من خلال شركاتها الأمنية من جانب آخر، مشيراً إلى أنّ الاتجاه غرباً يتعلق بتأمين قاعدة الوطية وإخلاء محيطها من مظاهر التسلح وانفلات السلاح.
وفيما يلفت همومة إلى أن الاشتباكات في مناطق غرب البلاد جرت تدريجياً وبالتتابع نحو أقصى الغرب لتصل إلى منطقة الجميل التي تقع قاعدة الوطية في نطاقها، رجّح في حديث لـ”العربي الجديد” أن يكون وراء الاشتباكات بين مختلف المجموعات المسلحة عامل الافتعال، خصوصاً أنها جرت بشكل مفاجئ وخاطف ليعقبها تدخل قوة الأمن التي تُعَدّ قوة أساسية لدى وزارة الداخلية لفكّ الاشتباكات والسيطرة. وأضاف أن “الاشتباكات التي تندلع فجأة ثم تختفي، ويعقبها القبول بسيطرة وانتشار قوات الوزارة تشير إلى وجود قوى خارجية تخافها تلك المجموعات المسلحة وتجبرها على الخضوع”.
وقاعدة الوطية، الواقعة غرب طرابلس بنحو 190 كم ولا يفصلها عن الحدود مع تونس سوى 27 كم، من أهم القواعد العسكرية وأكثرها تحصيناً وقوة، بنتها الولايات المتحدة الأميركية عام 1942 على مساحة تصل إلى 40 كيلومتراً مربعاً، وسط تحصينات طبيعية ودفاعية كبيرة. ويمكّن موقعها الجغرافي لمن يسيطر عليها من تأمين العاصمة وكامل المنطقة الغربية. كذلك فإنها منفتحة على العمق الصحراوي من خلال خطوط اتصال مباشرة على قاعدة الجفرة، وفي المقابل على مساحة شاسعة في فضاء البحر المتوسط.
وخلال عامي 2019 و2020، اتخذت مليشيات حفتر القاعدة تمركزاً رئيسياً للهيمنة على أجواء العاصمة، واستهدفتها بالطيران خلال اعتداء عامي 2019 و2020، وإثر انكسار حملتها شغلتها القوات التركية الموجودة في ليبيا وفق الاتفاق العسكري الموقع بين حكومة الوفاق الوطني السابقة والحكومة التركية.
وفي مارس الماضي، كشفت مصادر ليبية متطابقة عن وصول شركة “أمنتوم” الأميركية إلى ليبيا، وفقاً لعقد موقع مع حكومة الوحدة الوطنية، للعمل مقاولاً لوزارتي الدفاع والخارجية الأميركية لتنفيذ خطط أميركية تستهدف إصلاح القطاع الأمني الليبي، وتدريب قوات الأمن التابعة للحكومة على مهمات الحماية الشرطية وحماية الحدود، وللإشراف على تكوين نواة قوة عسكرية ليبية موحدة.
وكشفت المصادر في تصريحات سابقة لـ”العربي الجديد” أن عناصر هذه الشركة زارت العديد من المواقع العسكرية جنوب طرابلس، وغربها في جنزور والزاوية.
ويمضي همومة في قراءته لمسار التأمينات في غرب العاصمة، بالقول: “ليس من هدف وراء السيطرة على تلك المناطق سوى التحالف غير المعلن بين حكومة الدبيبة والجانب الأميركي، الذي من الواضح أنه يتجه لبناء وجود عسكري أقوى ضمن تمركزات دائمة تمكنه من الهيمنة العسكرية الجوية على كامل منطقة الغرب والانطلاق منها نحو فضاء الجنوب، حيث يوجد الروس في الجانب الآخر، ويسير بناؤهم العسكري على الوتيرة نفسها من السرعة”. وعبّر المهتم بالشأن السياسي الليبي عن اعتقاده بأن هذه التمركزات الأميركية الروسية طريق إلى مجالات ودول أخرى لا تمثل فيها ليبيا سوى منطلق فقط.
وفيما لا يرى همومة إمكانية وقوع أي مواجهة بين الجهتين، واشنطن وموسكو، استدرك قائلاً: “لكن من الممكن استخدام القوى المحلية أذرعاً للمواجهة بالوكالة في سياق عملية توسعة نفوذ كلا الطرفين”.
“تأمين الظهر”
لكن في المقابل، يقلل الباحث في الشأن السياسي عادل شنينه من القول باهتمام واشنطن بالوجود العسكري في ليبيا إلى حد بناء القواعد. وقال إن “المعطيات والمتغيرات الدولية تشير إلى أن التصعيد لا يزال مستمراً في شرق المتوسط وفي أوكرانيا، ولا يوجد ما يشير إلى إمكانية وجود مواجهة غير معلنة بهذا الحجم في ليبيا تستدعي بناء القواعد”.
ويتابع شنينه في هذا السياق: “كذلك يجب ألّا نُقصي أطرافاً أخرى فاعلة في ليبيا عند القراءة، ومن بينها إيطاليا التي زارت رئيسة حكومتها ليبيا منذ أيام فقط، وتملك فيها مصالح كبرى، فأين هي من مثل هذه التكتلات العسكرية؟”.
ويقلل شنينه في حديثه لـ”العربي الجديد”، أيضاً، من أهمية التحالف الروسي مع حفتر الذي يصفه بالمؤقت مقابل سياسات موسكو طويلة الأمد. أما عن الحراك الأمني لحكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد، فهو بحسب رأي شنينه من باب محاولات الحكومة في طرابلس لتأمين ظهرها من مخاطر قوات معارضيها “التي تتركز في الغرب والجنوب الغربي، الزنتان مثلاً، وكذلك استعداد لمستقبل سياسي قد يتغير في أي وقت. لذا، على الحكومة فرض نفسها رقماً له ثقله على الأرض”.