العربي الجديد-
تزايدت قرارات وخطوات رئيس مجلس النواب بليبيا عقيلة صالح خلال المدة الأخيرة بشأن المؤسسة القضائية، ما يشعر بأنها مساع متلاحقة نحو السيطرة على النظام القضائي.
واستهل صالح قراراته بإصدار قانون جديد في نهاية العام الماضي، غير بموجبه رئيس ونائب رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء. ورغم الاعتراضات التي لقيها القرار وقتها، ومنها موقف من نائب رئيس مجلس النواب فوزي النويري، إلا أن القانون وجد طريقه للنفاذ.
وفي مايو الماضي، أصدر صالح قرارا بتعيين 45 مستشارا جديدا بالمحكمة العليا، كما طالب بنقل مقر المحكمة إلى مدينة البيضاء، شرقي ليبيا. ورغم رفض رئيس المحكمة العليا السابق محمد الحافي ذلك القرار، فإن صالح بعدما نجح في تمكين المستشارين الجدد، عين رئيساً جديداً للمحكمة العليا ذاتها، استلم مهامه مطلع الأسبوع الجاري.
وقبيل مغادرة الحافي للمحكمة العليا، وكخطوة نظر إليها كثيرون بأنها مضادة لقرار صالح، أعلنت الجمعية العمومية للمحكمة عن إعادة تفعيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، بعد تعطلها منذ خمس سنوات.
وجاء رد صالح في الجلسة البرلمانية الأخيرة، الثلاثاء الماضي، عبر اقتراح مشروع قانون لإنشاء “محكمة دستورية من 13 عضوا يعينهم مجلس النواب، ويكون مقرها في بنغازي، وتنقل لها صلاحيات الدائرة الدستورية”، في خطوة يرى مراقبون أنها “ستنشئ سلطة قضائية دستورية موازية”، وستدفع لانقسام القضاء الليبي، آخر المؤسسات المتماسكة في ظل الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد منذ 8 سنوات.
وتسود مخاوف في أوساط ليبية من أن يقوم صالح بتمرير هذا القانون دون نصاب قانوني للنواب خلال جلسات المجلس المقبلة، بل وربما دون التصويت عليه أساسا، كما فعل مع قرار إعادة تشكيل مجلس إدارة المجلس الأعلى للقضاء، نهاية العام الماضي، وعين بموجبه رئيسا وأعضاء جددا للمجلس.
ويستحضر الأكاديمي وخبير القانون الدستوري سامي الأطرش خطوات صالح المتلاحقة والمتعلقة بالقضاء، ويصفها بـ”العبقرية”. ودون أن ينسبها لصالح، ولا لمجلس النواب، اعتبر الأطرش في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنها تأتي وفق “عملية استخباراتية من الطراز الرفيع”، معتبراً أن “مصر والإمارات وراءها”.
وفسر الأطرش ذلك بالقول “منذ فشل المشروع العسكري في الوصول بقوة السلاح لحكم الليبيين من جديد بعدما انتفضوا وتحرروا في 2011، ووضعوا الإعلان الدستوري مستهدفين به الدولة المدنية الديمقراطية، كان لزاما على هذه المجموعات التي تتبنى المنهج الدكتاتوري أن تبحث عن آلية مدنية، وهذا تماما ما يقوم به صالح ومجلس النواب، الذي يستمد شرعيته إلى حد ما من الأمر الواقع”.
ويضيف الأطرش قائلا: “كل التشريعات التي صدرت، وأبرزها ما حدث في ديسمبر الماضي، وما أعقبه من تدخلات من مجلس القضاء الأعلى، وما تبعه من قوانين وقرارات، تدخل ضمن استراتيجية ومنهجية لنظرية تسمى في علم القانون الدولي الفتح من الداخل، أي الدخول في وسط المعسكر المراد مهاجمته، ولكن بلغة مدنية تشريعية قانونية لا غبار عليها، لأن كل ما يصدر مخالف للقانون، لكنه يصدر باسم القانون، وهنا موطن الدهاء السياسي الاستخباراتي”.
ويستبعد الأطرش وبشكل كبير قدرة صالح على إقرار قانون إنشاء محكمة دستورية، معقبا: “عقيلة لا يملك حق إنشاء محكمة دستورية، لأن هذا أمر لم ينص عليه في الإعلان الدستوري، ولا يمكن إنشاء هذه المحكمة ما لم يفعّل الدستور الدائم للبلاد، ومن هذا المنطلق، فنحن نتحدث عن مؤامرة تحت غطاء ما سمي بتشريعات جديدة لتنظيم العمل السياسي في ليبيا”.
وبشكل عام، يذكر أستاذ القانون الدستوري بأن “استراتيجية السياسات التشريعية يفترض أن تحقق الأهداف والمبادئ الدستورية المنصوص عليها في الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للقرارات الحكومية”، مضيفا أنه “في ليبيا الوضع مختلف تماما”، على حد تعبيره.
في المقابل، يرى الباحث في الشأن السياسي أشرف النيهوم أن السعي لتشكيل محكمة دستورية يأتي “تخوفا من الأحكام التي قد تصدر عن الدائرة الدستورية بحق طعون كثيرة مقدمة أمامها، جزء منها يمس المؤسسة التشريعية”.
وفي حديثه لـ”العربي الجديد”، حذر النيهوم من “خطورة ذلك على استقرار البلاد”، مستشهداً بحكم الدائرة الدستورية بحق مجلس النواب سنة 2014، والذي يرى أنه “صدر في وقت حرب، وتحت تهديد سلاح المليشيات المؤدلجة في طرابلس”، وأنه “أسس للانقسام السياسي في البلاد”.
وكانت الدائرة الدستورية قد قبلت في نوفمبر 2014 طعنا بخصوص “عدم دستورية الانتخابات التي أفرزت مجلس النواب”، الأمر الذي أدى لعودة “المؤتمر الوطني العام” (البرلمان الذي سبق مجلس النواب) إلى المشهد السياسي، وتحول بعد الاتفاق السياسي الليبي في نهاية 2015 إلى المجلس الأعلى للدولة الحالي.
ودافع النيهوم عن قرارات عقيلة صالح، خصوصا إنشاء محكمة دستورية، قائلا إنه “يمارس اختصاصه كرئيس للسلطة التشريعية المنتخبة الوحيدة في البلاد، وهو مستشار قانوني ذو خبرة، ويعلم تماما ماذا يعمل، وبإنشاء محكمة دستورية لن يستطيع أحد الطعن بعدم دستورية القوانين إلا رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة أو 10 نواب أو مثلهم من الوزراء، وهذا كفيل بتقليص مساعي البعض لإرباك الواقع السياسي في البلاد”.
بل ويرى النيهوم أن طلب عقيلة بنقل مقر المحكمة العليا الى البيضاء، شرقي البلاد، “قرار صحيح”، موضحا أن السبب وراء ذلك هو “إبعاد المحكمة عن سطوة المليشيات”.
مع ذلك تساءل بشأن مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومدى إمكانية تأثيرها على قرارات المحكمة العليا إذا انتقلت إلى البيضاء.
ويعتقد الناشط السياسي خميس الرابطي أن قرارات عقيلة صالح “تهدف للسيطرة على قرار مؤسسة القضاء بشكل عام، من خلال توزيع شخصيات موالية له للتموضع في مفاصلها، سواء المحكمة العليا أو المجلس الأعلى للقضاء، وأخيرا إنشاء محكمة دستورية ربما ستنقل إليها اختصاصات الدائرة الدستورية”.
وبحسب رأي الرابطي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، فإن “كل ذلك على علاقة بضمان سيطرة عقيلة صالح على مصير الانتخابات، وتحصين أي مسار أو قرار من جانبه بشأنها، خصوصا القاعدة الدستورية، من الطعن أمام القضاء، كما يمكنه إقصاء أي خصم له في الانتخابات من خلال أذرعه في القضاء أيضا”.