
الناس-
في رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل، لا تُروى الحكاية عن حيوانات تسعى للتحرر من ظلم الإنسان فحسب، بل تُرسم بدقة مرآة لأنظمة الاستبداد، وآلياته المختلفة في السيطرة على العقول والأجساد، ومن بين كلّ الكائنات التي تمشي وتنهق وتنعق في المزرعة، تبرز الكلاب والخراف بوصفهم أبرز أدوات الطغيان، لكن كلٌ بطريقته: الكلاب بالعنف والإرهاب، والخراف بالهتاف والضجيج.
* كتب/ عبدالوهاب الحداد،
ففي بداية الرواية يأخذ “الخنزير نابليون” -ديكتاتور المزرعة القادم- تسعة جراء صغيرة من أمهاتها، ويخفيها في مكان مجهول، تمرّ الاحداث، وتعود الجراء وقد تحولت إلى كلاب ضخمة شرسة، تحمل ولاء مطلقًا للخنزير نابليون، الذي قام بتربيتها بنفسه وأخضعها لتدريب صارم على الطاعة العمياء، وما إن استولى على السلطة حتى استدعاها، لتصبح حرسه الخاص وأداته في إسكات أي صوت معارض، فكل من يجرؤ على التشكيك في سلطته، تنهشه الكلاب، وتبث الرعب في قلوب بقية حيوانات المزرعة.
إلى جانب إرهاب الكلاب، كان “الخنزير نابليون” في حاجة إلى من يؤدي دور الجموع من الأتباع بعيون وعقول مغمضة، ولم يكن من أحد أفضل من الخراف للقيام بهذه المهمة، فالخراف لا أنياب لها ولا مخالب، لكنها تهتف دون تفكير ولا سؤال، تهتف بصوت عالٍ، تقطع فيه الطريق على صوت العقل أو المنطق كلما بدا أن هناك نقاش وجدال بين الحيوانات، أو لاح في الأفق وعي يتشكل، كانت الخراف تملأ الفضاء بالصياح: “أربع أرجل جيدة، رجلان سيئان!”… ثم لاحقًا، حين تغيّرت التحالفات والشعارات، غيّرت الخراف هتافها دون تردد، تكرر الجديد بنفس الحماس، حتى لو ناقض ما كانت تهتف به قبل قليل.
وما بين الكلاب والخراف، تعمل ماكينة التبرير والتزييف بلا كلل، على يد “الخنزير سكويلر”، الناطق باسم سلطة الزعيم “الخنزير نابليون”، والذي لا يتردد في الكذب العلني وتزييف الوقائع، إنه رجل الدعاية، الإعلام الرسمي، الذي يُقنع الحيوانات أن المجاعة رفاه، وأن الإنقاص من الحصص الغذائية انتصار، وأن الأخطاء خُطط مدروسة، وبجانبه “الخنزير مينيمس”، الشاعر الرسمي، الذي يكتب القصائد والأناشيد التي تمجّد نابليون، وتعيد صياغة التاريخ بأوزان جميلة وألحان مغرية.
إنك كلما قرأت الرواية وجدت دورًا لأحد الحيوانات استدعى لذاكرتك أحدا ما اليوم، والعكس، كلما شاهدت أحدهم اليوم، خطر ببالك أحد حيوانات مزرعة أورويل. فهل خطر ببالك أحد؟