
* كتب/ أحمد بن وفاء،
لا يوجد هذا الشاي في بيت باربي، بل في اليابان، الساكورا (شجرة أزهار الكرز)، ليست رمزا للفن والجمال لدى اليابانيين فحسب، فهي أيضا تقدم بعد نقعها في الماء المغلي بشكل يشبه الشاي للضيوف في المناسبات وحفلات الزفاف، كما يتم تمليح أوراقها ومن ثم حفظها واستخدامها في المطبخ كأنما توابل ولكنها وردية ولطيفة.
العجيب في هذا الأمر أنّ أزهار الساكورا المملحة تتفتح بمجرد صب الماء الساخن فوقها، لذلك كانت تعد فأل حسن لديهم.
عادة ما يُباع عند محال الحلويات بما يسمى بـ”روح اللوز “، وفي اليابان يتشابه الأمر، ولكن مع إضافة “واغاشي” المستأصلة من أحد أنواع الساكورا تتمثل في نكهة تضاف للحلويات، أو التمتع برائحتها في الأرز المطهي.
من الواضح للجميع بأن لونها الوردي يوحي بروحها الأنثوية وبأن النساء هُن من يتزينّ بها، ولكن في حقيقة الأمر هذه الصورة النمطية خاطئة، فكلا الرجال والنساء يتخذون من هذه الزهرة رمزا لهم في كل شيء، فهي مرافقة للساموراي والكاميكازي، وأيضا قوات الدفاع الياباني لديهم رُتب تحمل نقش الساكورا بالرغم من خشونتهم!
فعند رؤية جبل فوجي والساكورا سرعان ما تستذكر اليابان على الفور، فقد نجحت بالفعل في أن تمثل دولة كاملة بحضارتها، فنجدها مُصوَّرة أو منقوشة في العديد من بضائع المستهلكة كالكيمونو (الزي الشعبي الياباني)، القرطاسية، الصحون والفناجين، الشوكولا، وما إلى ذلك من المُنتجات والأطعمة، ونجدها أيضًا منقوشة على العملة من فئة 100 ين، وعلى سبيل الطرافة إنمي ناروتو الياباني به شخصية اسمها ساكورا وشعرها ذي لون زهري، فلا عجب من أن الكثيرات من اليابانيات يحملن هذا الاسم، مثل شيوع اسم (نرجس) في مجتمعنا.
تبدأ أولى براعم الكرز بالتفتُّح في الجنوب من شهر يناير، وتتابع موجة الإزهار زحفها شمالا حتى أواخر مايو، ويُطلق على عملية الزحف (موجة تفتُّح براعم الساكورا).
في الواقع نخرج للبر من أجل (بالليبي نديرو زرادي ونطيبوا المبكبكة على الحطب، ومرات خبزة الملة/الجمر)، والبعض يتلذذ بالشواء على شواطئ البحر، فتخيل لو ذهبت (لِزردة) في اليابان ولكن على طريقتهم حيث يوجد (الهنامي أي الذهاب للجلوس ومشاهدة الساكورا)، حيث الأشجار مغدفة بالتدرجات الوردية، والأرض غارقة في تويجات هذه الزهرة، بالتأكيد ستغير وجهة نظرك بشأن المبكبكة.
الساكورا تحمل في مضمونها عبرة، فبالرغم من جمالها إلا أن عمرها قصير، حيث تذكّر اليابانيين بأن الحياة فانية، كالطبيعة فهي سريعة الزوال، وبمعني أدق “الحياة قصيرة ولكنها جميلة، وتكون كذلك دون أذى وحقد، مع بسمةٍ وعمل الصالح” حيث تعيش هذه الزهرة لثلاثة أيام كحدٍ أقصى لِتموت بعدها بسلام.
طوال الوقت كُنّا نستمع إلى جملة (لا توجد حياة وردية) لأكتشف مؤخرًا بأنها موجودة بالفعل لدى اليابان، الصور التي أمامكم هي المعنى الحقيقي لهذه الحياة التي لطالما اعتبرناها خُرافة.