الرئيسيةالراي

حول السياسة التي يتبعها المصرف المركزي في بيع النقد الأجنبي وتوفيره لمختلف الأغراض لدى المصارف التجارية

* كتب/ د. محمد أبوسنينة،

لقد دأب مصرف ليبيا المركزي منذ الأسبوع الأول لعام 2025 على إصدار بيانات يومية بمبيعات النقد الأجنبي (الدولار) لمختلف الأغراض (أغراض شخصية، اعتمادات مستندية استيرادية وحوالات، واعتمادات وحوالات الحكومة) في إطار سياسة الشفافية والإفصاح التي تبناها المصرف.

إلا أن المؤشرات تبدو كأنه يشجع على مزيد التوسع في بيع النقد الأجنبي. ويلاحظ من خلال هذه البيانات النمو المضطرد في مبيعات النقد الأجنبي يومياً، حيث ارتفعت هذه المبيعات لمختلف الأغراض بنسبة 37% خلال التسعة أيام الأولى من عام 2025 منذ استئناف المصارف تشغيل منظومات بيع النقد الأجنبي، والبدء في تنفيذ طلبات فتح الاعتمادات المستندية.

وقد بلغ إجمالي ما تم تنفيذه من مبيعات النقد الأجنبي خلال الفترة من 5 إلى 16 يناير 2025 حوالي 2.0 مليار دولار، منها 1.1 مليار للأغراض الشخصية، بينما بلغت قيمة الاعتمادات المستندية لأغراض الاستيراد السلعي والخدمي 690 مليون دولار، وللجهات العامة 257.8 مليون دولار. هذا النمط من مبيعات النقد الأجنبي يثير العديد من الملاحظات والأسئلة التي ينبغي الوقوف عندها والإجابة عليها .

أولاً: أن يكون الطلب على النقد الأجنبي للأغراض الشخصية باستخدام البطاقات (لغرض العلاج والسياحة والدراسة بالخارج والحج والعمرة وغيرها) أكبر من الطلب على النقد الأجنبي لغرض فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع ومواد الإنتاج والخدمات بنسبة تتجاوز 27٪، فهذا أمر غير طبيعي وغير مسبوق، ويجب التوقف عنده، ويدل على غياب سياسة واضحة تحدد أولويات توفير النقد الأجنبي واستخداماته، ويبدو أنه أمر غير قابل للاستدامة .

ثانيا: يلاحظ استمرار المصرف في سياسته التوسعية في بيع النقد الأجنبي بالرغم من أن السنة المالية 2024 انتهت بعجز في ميزان النقد الأجنبي بأكثر من 5 مليار دولار، وجاء هذا العجز على حساب الاحتياطيات .

ثالثا: بالرغم من التوسع في عرض النقد الأجنبي وتوفيره لمختلف الأغراض إلا أن سعر الدولار في السوق الموازية لازال يتجاوز حاجز الستة دينار، ويميل إلى الارتفاع حتى وصل 6.7 دينار للدولار الواحد .

رابعاً: لم تنفرج مشكلة السيولة لدى المصارف التجارية، وتكاد تكون السيولة معدومة في بعض فروع المصارف، في مختلف المناطق، وكان يفترض أن يُؤدي التوسع في مبيعات النقد الأجنبي إلى توريد المزيد من الدينار الليبي إلى المصارف التجارية ومن ثم التخفيف من أزمة السيولة .

رابعاً: يشتكي المصرف المركزي من محدودية وعدم كفاية المبالغ المحالة إليه من إيرادات بيع النفط، ويطالب المؤسسة الوطنية للنفط بالتوضيح، وعلى الرغم من ذلك يستمر في بيع النقد الأجنبي بمعدلات متزايدة، رغم العجز المترتب على هذا الوضع .

هذه الملاحظات تثير تساؤلات عدة، نجدها تفرض نفسها، أمام هذا الوضع الذي نراه غير قابل للاستدامة ونتائجه غير مضمونة. ومن أهم هذه الأسئلة:

1-  ماهو الهدف الذي يسعى المصرف المركزي لتحقيقه؟ هل هو القضاء على السوق السوداء للنقد الأجنبي، وهل هو هدف على المدى القصير أم على المدى الطويل؟ أم أن الهدف توجيه سعر الصرف وقيادته والتحكم فيه بالسوق السوداء؟

2-  هل توجد تقديرات للطلب على النقد الأجنبي لمختلف الأغراض، يؤسس عليها المصرف المركزي سياسته في عرض النقد الأجنبي، ويعمل على تلبيته من خلالها؟ تقديرات تأخذ في الاعتبار حاجة السوق من مختلف السلع الاستهلاكية والإنتاجية التي يجري استيرادها، وتقديرات تتعلق بالطلب على النقد الأجنبي للأغراض الشخصية .

3-  هل توجد لدى المصرف المركزي سياسة احترازية، أو خطة بديلة، يلتجئ إليها في حال حدوث انخفاض حاد، غير متوقع، في إيرادات النقد الأجنبي، وانكشاف احتياطياته الحرة، إما نتيجة لانخفاض حاد في معدلات استخراج وتصدير النفط الخام لمختلف الأسباب، أو تدهور أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، أو انخفاضها دون حاجز 65 دولار للبرميل؟ بهدف ضمان استقرار سعر صرف الدينار الليبي والمحافظة على قيمته، من جهة، وتوفير السيولة اللازمة لتلبية احتياجات الدولة (الحكومة) والقطاع الخاص، من النقد الأجنبي، من جهة أخرى .

هذه الأسئلة، وغيرها، ينبغي أن يتم تناولها، والإجابة عليها، في ظلّ رؤية يضعها المصرف المركزي لإدارة النقد الأجنبي، ولإصلاح سعر صرف الدينار الليبي، والوصول به إلى ما يعرف بسعر الصرف التوازني، ويحقق الاستقرار الاقتصادي والمالي والاستدامة المالية للدولة.

للكاتب أيضا: 

قراءة في تقرير أهم البيانات والمؤشرات المالية للمصارف. للربع الثالث 2024

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى