
العربي الجديد-
نفّذ مركز الرقابة على الأغذية والأدوية في ليبيا، أخيراً، حملات رقابية ضمن برنامج الرقابة الخاصة بشهر رمضان، بالتنسيق مع جهاز الحرس البلدي وإشراف النيابة العامة، وأغلق عشرات المحال التي جرى رصد مخالفات فيها، في حين يطالب مواطنون بضرورة توسيع حملات الرقابة لتشمل المنافذ الحدودية التي تعاني من ضعف في عمليات مكافحة المخالفات.
وفي 9 مارس الحالي، أعلن مكتب النيابة العامة إغلاق 16 محلاً لبيعها لحوم غير صالحة للاستهلاك في طرابلس، والتحقيق مع 14 متهماً، ثم كشف بعد يومين أنه حرّك دعوى ضد 20 متهماً على علاقة بعمل 13 محلاً في بنغازي، بتهمة بيع لحوم فاسدة ومواد غذائية منتهية الصلاحية، واتخذ قرار إغلاق محلاتهم فورا.
وبحسب جهاز الحرس البلدي جرى إغلاق ستة محال لبيع اللحوم في منطقة أبو ستة بطرابلس، بسبب مخالفة الشروط الصحية، وذلك بعد ضبط كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة التي نقِلت وجرى تخزينها بشكل سيئ.
وفي مدينة البيضاء (شرق)، نفذ فرع الحرس البلدي حملات تفتيش شهدت رصد مخالفات صحية وقانونية، منها ضبط عامل وافد في سوق الخضار لا يحمل أوراقاً ثبوتية، وأثبتت الفحوصات الطبية إصابته بمرض معدٍ.
ويشيد عمر ديهوم، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في طرابلس، بانخراط القضاء في عمليات ملاحقة الفساد الغذائي، ويقول لـ”العربي الجديد”: “كانت الحملات تقتصر في السابق على إغلاق محال من دون إحالة التجار الفاسدين إلى القضاء، لكن الإعلانات الحالية للنيابة العامة تؤكد أن القضاء دخل بحزم وفاعلية كبيرة على خط ملاحقة الفساد في محال بيع الأغذية”.
لكن ديهوم يلفت إلى أن “الحملات الحالية لمراقبة الأغذية تركز على تفتيش الأسواق، في حين أن الحل يجب أن يبدأ بضبط المنافذ البرية والبحرية التي تتسرّب عبرها كميات هائلة من الأغذية الفاسدة، فكثير من اللحوم تدخل البلاد بشكل قانوني، لكن سوء التخزين والنقل يحوّلها إلى منتجات فاسدة، والتفتيش داخل المحال مهم في هذه الحالة، لكن لا بدّ من أن يشمل أيضاً الحدود والمنافذ الجمركية”.
من جهته، يؤكد المسؤول في إدارة الدعم والدوريات بجهاز الحرس البلدي، أشرف المحجوب، أهمية إخضاع المحال وجزارات اللحوم للقوانين، خصوصاً على صعيد منح التراخيص، وفرض شروط صارمة عليها، وفي مقدمتها تشغيل عمال حصلوا على شهادات صحية، بناءً على كشف طبي قانوني أجري لهم. ويسأل في حديثه لـ”العربي الجديد”: “كيف سيُسمح بعمل أشخاص غير لائقين صحياً، مثل العامل الذي جرى ضبطه في مدينة البيضاء، لو تقيّد صاحب المحل بشروط الحصول على ترخيص؟”.
وتعكس وقائع ضبط عدد كبير من المخالفين خلال عمليات التفتيش المعاناة اليومية التي يعيشها الليبيون مع أزمة انتشار الأغذية الفاسدة، إذ تحوّلت ليبيا إلى سوق مفتوحة للمهربين والتجار الفاسدين الذين يستغلون انهيار البنى الأمنية والقانونية منذ سنوات طويلة، لاستيراد مواد منتهية الصلاحية، أو مخالفة للمواصفات، أو مهرّبة عبر الحدود. لكن التحديات لا تزال أكبر من الإمكانيات المتاحة، بحسب المحجوب الذي يشير إلى أن نسب الأغذية المغشوشة أو الفاسدة في السوق الليبية عالية، في وقت تعاني فيه الفرق الحكومية الخاصة بالضبط والتفتيش نقصاً في الإمكانيات المطلوبة لتطويق الظاهرة.
ومن مظاهر النقص التي يتحدث عنها المحجوب انقسام أجهزة الرقابة بسبب الانقسام الحكومي، ما يضعف قدرات الحرس البلدي وجهاز الرقابة على الأغذية والجمارك، ويمنع تكامل أدوارها وتنسيقها العمليات بين بعضها البعض.
وخلال الفترات الماضية ظهرت على السطح في شكل واسع أزمة التسمّم الغذائي. وأعلنت العديد من المستشفيات استقبال عشرات من المواطنين المصابين بتسمّم، جراء تناول وجبات غذائية فاسدة في مطاعم أو داخل قاعات للمناسبات، لكن المحجوب يؤكد أن هذه الظاهرة تراجعت بعد حملات التفتيش الواسعة على المحال التجارية الكبيرة التي تبيع للمطاعم ومصانع الغذاء المواد الأساسية الفاسدة أو المنتهية الصلاحية، ويعتبر أن هذا الأمر من مؤشرات نجاح حملات تطويق ظاهرة الغش الغذائي.
وفي حديث سابق لـ”العربي الجديد”، قال أستاذ علوم الأغذية، المكي الشيباني، إن “أي جولة ميدانية داخل الأسواق الليبية يمكن أن تكشف مثلاً وجود عشرات من الأصناف الغذائية التي تحتوي على ملوّنات محظورة، فكيف وصلت هذه الشحنات إلى الأسواق؟ لا نشكك في جهود مركز الرقابة والحرس البلدي، لكن يظل حجم الفساد أكبر بكثير من هذه الجهود”.