اخبارالرئيسيةعيون

حكم قضائي يفتح ملف الانتهاكات في سجون حفتر

العربي الجديد-

أعلنت المحكمة العليا في ليبيا عدم دستورية قانون صدر عن مجلس النواب في سنة 2017، وسّع اختصاص القضاء العسكري ليشمل محاكمة المدنيين. وأوضحت المحكمة في بيان، الاثنين الماضي، أن توسيع مجلس النواب اختصاصات هذا القانون خالف أحكام الدستور، لأنه يسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، ما يمثل انتهاكاً صريحاً لحق المواطن في المثول أمام قاضيه الطبيعي، ويقوض أحد أهم ضمانات العدالة.

وقوبل الحكم بترحيب واسع في الأوساط الليبية، كما أعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا جدلاً في سجل حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، التي تتعلق بالمحاكمات العسكرية للمدنيين في مناطق شرقي البلاد التي تسيطر عليها جماعة حفتر.

ومنذ إقرار القانون عام 2017، استُخدم أداةً لإضفاء غطاء قانوني على ممارسات القمع التي طاولت المئات من النشطاء والصحافيين والمعارضين، وكشفت تقارير دولية عن حجم الانتهاكات التي رافقت محاكمات عسكرية جائرة أدانت مئات المدنيين بغرض معاقبة كل من يعترض على حفتر.
وأشارت تقارير لمنظمة العفو الدولية إلى أن ما لا يقل عن 22 شخصاً حكم عليهم بالإعدام، بينما زُج المئات في السجون بين عامي 2018 و2021، بعدما تعرض الكثيرون منهم للتعذيب أثناء فترات احتجازهم السابقة للمحاكمة، وأن المدنيين الذين جرت محاكمتهم شملوا صحافيين ومحتجين سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان، فضلاً عن أشخاص اتهموا بنشر انتقادات لجماعة حفتر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ونقلت تقارير دولية عن ناجين من سجون حفتر تفاصيل مروعة حول اختطافهم واحتجازهم لأشهر أو لسنوات بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرضهم خلال ذلك للتعذيب، وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، كما لم تقتصر هذه المحاكمات على القضايا السياسية والمعارضين بل طاولت آخرين من بينهم نساء.

ورغم أن حكم المحكمة العليا الأخير أعاد الاعتبار لمبدأ القضاء الطبيعي، وكرّس استقلال القضاء المدني عن العسكري، إلا أن الناشط الحقوقي إبراهيم الناجح يرى أن تفعيل الحكم على أرض الواقع يواجه تحديات عدة، مشيراً إلى أن “المحكمة العليا لم تقرر آليات واضحة لإلزام قوات حفتر بوقف هذه الممارسات، أو إعادة محاكمة من صدرت بحقهم أحكام عسكرية. اقتصر الحكم على نقض الأساس الدستوري للقانون، وهو أمر يمثل خطوة قانونية مهمة، لكنه يظل بلا أنياب تنفيذية في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على فرضه في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر”.

ويضيف الناجح، في حديث لـ”العربي الجديد”: “لا يطرح الحكم فقط إشكالية التنفيذ، بل يثير أيضا تساؤلات حول شرعية إصدار مجلس النواب للقانون في ظل انقسام المؤسسات، وحينها كان مجلس النواب متحالفاً مع حفتر، ويصدر تشريعات منحازة لسلطته العسكرية. تمرير القانون آنذاك لم يكن تشريعاً خالصاً، بل جاء بضغط من قيادات عسكرية سعت لتقنين نفوذها على المدنيين بغطاء قانوني، ما جعل الحكم الأخير بمثابة إدانة غير مباشرة لتسييس العمل القانوني، ولفتح الباب أمام شرعنة انتهاكات الحقوق والحريات”.

ويوضح الناجح أن “تجاهل مجلس النواب للحكم، أو تباطؤه في تنفيذه سيشكل اختباراً حقيقياً لصدقية وقوفه إلى جانب حقوق المدنيين وحرياتهم، لأن الامتناع عن تطبيق قرارات المحكمة العليا يعني الاعتراف بانحسار سلطة القضاء أمام الحسابات السياسية التي لا تقيم وزناً للحقوق المدنية في أوقات الصراع، كما أن ردات الفعل الدولية، ولا سيما الحقوقية، ستكشف مدى جدية المجتمع الدولي في دعم الحريات والحقوق، فإما أن يمنح هذا الحكم زخماً جديداً للملف الحقوقي الليبي، أو يبقى مجرد وثيقة تضاف إلى أرشيف الانتهاكات غير المعالجة”.

ويرى مراقبون ليبيون أن للحكم قيمة أخرى تتعلق بوضع خليفة حفتر أمام الرأي العام الدولي بعد سحب الغطاء القانوني الذي كان يتذرع به لتبرير محاكماته العسكرية للمدنيين، إذ لم يعد بإمكانه إخفاء الانتهاكات وراء ستار التشريع. لكن الناجح يلفت إلى أن الأمر لا يقتصر على معسكر حفتر، بل يمتد إلى المجموعات المسلحة في غربي البلاد، والتي تمتلك سجوناً تديرها تحت مسميات عسكرية، وهؤلاء أيضاً لم يعد بإمكانهم بعد هذا الحكم القبض على المدنيين والزج بهم في السجون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى