العربي الجديد-
لا يزال أمير الحرب حفتر يجري لقاءات مكثفة في العاصمة الروسية موسكو، منذ وصوله إليها الثلاثاء الماضي، بعد أسبوع من زيارة أجراها نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، لبنغازي.
تأتي زيارة حفتر في الوقت الذي لا تزال فيه مدينة درنة ومناطق شرقيّ البلاد، الواقعة تحت سيطرته، تعاني آثار وتداعيات سيول وفيضانات عاصفة “دانيال” التي ضربت تلك المناطق، في 11 سبتمبر الجاري، وخلفت آلاف القتلى، ومثلهم من المفقودين والمشردين.
ومنذ أولى أيام الكارثة التي خلفتها عاصفة “دانيال”، كونت قيادة حفتر غرفة طوارئ عسكرية في مدينة درنة، بقيادة صدام، نجل حفتر، وأطلقت العديد من القيود والإجراءات الأمنية للحد من خروج أوضاع المدينة عن السيطرة، ولا سيما بعد احتشاد الآلاف من أهل المدينة في مظاهرة كبيرة، في الثامن عشر من الشهر الجاري، طالبوا خلالها بمحاسبة المسؤولين عن حدوث الكارثة، وأقدموا على حرق منزل عميد البلدية.
ولم تعلن موسكو أي تفاصيل أو أنباء عن زيارة حفتر وإذا ما كانت رسمية أو غير رسمية، إلا أن المكتب الإعلامي لحفتر، قال إنّ الزيارة ستشهد “إجراء مباحثات مع المسؤولين الروس في تطورات الأوضاع في ليبيا”، وكذلك بحث “العلاقات الثنائية بين البلدين، وسُبل تعزيز دعمها وتطويرها، والقضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ونشر المكتب الإعلامي لقيادة حفتر صوراً تظهر استقبال حفتر عند وصوله إلى موسكو، مشيرةً إلى أن الزيارة تأتي تلبية لـ”الدعوة الواردة من روسيا”.
وفي هذه الأثناء، كشفت مصادر ليبية متطابقة، مقربة من قيادة حفتر ومجلس النواب، أن المباحثات الجارية حالياً في موسكو بين حفتر وعدد من القادة والمسؤولين في وزارة الدفاع الروسية، على علاقة مباشرة بالتعاون العسكري بين الجانبين، نافيةً أن يكون للزيارة أي صلة ببحث حفتر لملف إعادة إعمار مدينة درنة والمناطق المجاورة لها، أو الحصول على المزيد من الدعم الإنساني والإغاثي من أجل سكان المدينة.
وشاركت روسيا في عمليات الدعم الدولي المقدمة إلى المناطق المنكوبة في شرق ليبيا، فأرسلت عدة طائرات محملة بالإغاثات والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى فريق إنقاذ شارك في عمليات انتشال الجثث قبل أن يعلن انتهاء مهامه، الثلاثاء الماضي، ومغادرته البلاد.
وفي التفاصيل الأخرى حول مباحثات حفتر في موسكو، توافقت معلومات المصادر بأن حفتر طلب من موسكو ترقية مستوى العلاقة بينهما إلى مستوى توقيع اتفاق دفاعي وأمني يقضي بحصوله على المزيد من المعدات العسكرية، كمنظومات الدفاع الجوي الروسية، وطائرات مسيّرة، وإقامة ورش متقدمة لصيانة عتاد مليشياته العسكري، باعتبار أن السلاح الليبي روسي الصنع.
ووفقاً لذات المصادر، فإن موسكو استدعت حفتر بعد أن كرر طلبه في أثناء زيارتَي يفكيروف لبنغازي، في أغسطس الماضي والأسبوع قبل الماضي، لكن المصادر أكدت أن المباحثات لا تزال في أولها، حيث لا تزال موسكو غير راغبة في إعلان وجودها في ليبيا رسمياً، من خلال توقيع أي اتفاق رسمي ومعلن.
ويضيف أحد المصادر، وهو مسؤول مقرب من لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن حفتر ومستشاريه حضروا منذ البداية لكيفية الاستفادة من إغلاق موسكو لملف “فاغنر” وتوجهها للعمل على إعادة هيكلة مقاتلي وأسلحة شركة “فاغنر” في عدة دول أفريقية، مضيفاً أن “حفتر ومستشاريه تداولوا أهمية القواعد والمواقع التي تحصلت عليها موسكو من خلالهم في ليبيا وكيفية استثمار أهميتها بالنسبة إلى الجانب الروسي، لكونها تشكل قاعدتها الخلفية للحركة في اتجاه دول حزام ووسط أفريقيا”.
ويلفت ذات المصدر إلى أن “زيارات نائب وزير الدفاع الروسي عززت من رغبة حفتر في طرح مطالبه، فالزيارة الروسية، بمستوى رفيع من وزارة الدفاع الروسي، كانت بمثابة رسالة غير مباشرة للإعلان الروسي العسكري الرسمي في ليبيا، لكنها حركة لم تتعدّ حتى الآن الإعداد والدراسة والتقييم”.
وكان يفكيروف قد زار بنغازي، في أغسطس الماضي، عندما أصدرت الرئاسة الروسية مرسوماً يقضي بضرورة أداء جميع عناصر “فاغنر” القسم القانوني أمام وزارة الدفاع الروسية، في إشارة واضحة إلى ضم مقاتلي الشركة الأمنية للجيش الروسي.
وخلال ذات الزيارة، أجرى يفكيروف عدداً من اللقاءات مع حفتر وضباطه في بنغازي، وفي المقر العسكري الرئيسي لحفتر في الرجمة، وزار عدد من مرافقيه قاعدة الجفرة العسكرية، وسط جنوب البلاد، التي تُعَدّ من أبرز المواقع العسكرية التي توجد فيها “فاغنر”.
ومنذ تلك الزيارة، أظهرت قيادة حفتر رغبتها في إقامة تعاون عسكري رسمي مع روسيا، إذ علق المتحدث الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، على زيارة يفكيروف، بأنها “تأتي في إطار التعاون العسكري والأمني ومحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود”.
ويضيف المصدر البرلماني نفسه بالقول إنّ حفتر “ناقش في السابق مع يفكيروف الضغوط الواقعة عليه من جانب واشنطن وعواصم غربية بشأن ضرورة تخليه عن علاقته بمجموعة (فاغنر)، لكن في الحقيقة لم تكن شكوى حفتر سوى محاولة للضغط للحصول على ما يستطيع الحصول عليه من مدد ودعم عسكري ورسمي روسي يرجع له مكانته التي فقدتها منذ سنوات”.
وأكد المصدر أن “حفتر يرغب في اتفاق عسكري أمني مع روسيا على غرار اتفاق أنقرة مع طرابلس، الذي أتاح لها حرية الحركة والتوسع في غرب البلاد، وشكل ظهيراً دفاعياً لقوى طرابلس العسكرية”، مضيفاً: “أبلغ حفتر المسؤولين الروس عدم رغبته في الاستمرار في التحالف العسكري غير المعلن، أو تفكير روسيا في إدارة تركة (فاغنر) في ليبيا باتصالات شبه رسمية، كذلك فإنه تعهد بمنح الاتفاق شرعية من خلال مجلس النواب والعمل من خلال كوادر الحكومة التابعة لمجلس النواب، كوزارة الدفاع إذا احتاج الأمر”.
ويُعد حفتر حليف روسيا في ليبيا، إذ تنامت العلاقات بين الطرفين منذ عام 2017، عندما رست حاملة الطائرات الروسية الأميرال كوزنتسوف قبالة شواطئ بنغازي، وظهر حفتر على متنها. لاحقاً، استقبلت موسكو حفتر مرتين، في نوفمبر 2018، وفبراير 2020، والتقى مسؤولَين رفيعَي المستوى، هما وزير الدفاع سيرغي شويغو، ووزير الخارجية سيرغي لافروف.
وعلى الرغم من تأكيدها مراراً وقوفها على مسافة واحد من أطراف الصراع الليبي، وإعلانها في مارس الماضي، إعادة فتح سفارتها في طرابلس، ورغبتها في دعم خيار الحوار بين الأطراف المتصارعة، وصولاً إلى الانتخابات، قدمت موسكو دعماً عسكرياً مباشراً لحفتر، منذ عدوان مليشياته على العاصمة طرابلس، خلال عامي 2019 و2020، من خلال مجموعات “فاغنر” التي انسحبت إلى مدينة سرت، وسط شماليّ البلاد، إثر انكسار العدوان، قبل أن تتمركز في نقاط عسكرية استراتيجية، ولا سيما في قاعدة الجفرة وسط الجنوب، وقاعدة الخروبة المحاذية لقاعدة الرجمة، المقر العسكري لحفتر في شرق البلاد، بالإضافة إلى وجودها في العديد من المناطق في الجنوب الليبي.