الأناضول-
تبدو العلاقات بين تونس وليبيا عادية، لكن رد وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي على مداخلة للنائب البرلماني علي زغدود، وهو من مدينة بن قردان (جنوب شرق) على الحدود بين البلدين، أثارت سلسلة من ردود الفعل على الجانب الليبي وأحيت مسألة الحدود.
وخلال جلسة برلمانية لمناقشة ميزانية وزارة الدفاع في 12 نوفمبر الجاري، تحدث زغدود، نائب عن كتلة “لينتصر الشعب” (موالية للرئيس التونسي قيس سعيد)، عن تأثيرات سلبية على سكان بن قردان جراء “المنطقة العازلة” على الحدود المشتركة.
وقال زغدود: “نأمل أن تتم مراجعة حجم المنطقة العازلة من (معبر) رأس جدير (في مدينة بنقردان بمحافظة مدنين) إلى (معبر) مشهد صالح في عمق يتجاوز أحيانا أكثر من 50 كلم”، وفق مقطع مصور على موقع مجلس “نواب الشعب”.
وأضاف: “أصبحت (المنطقة العازلة) منطقة شاسعة (و) طوقا على أراضي بن قردان.. (وهي) أراض ظلت لسنين مصدر رزقهم (السكان)”.
و”جزء كبير من الأراضي التونسية في بن قردان بقيت للأسف خارج الساتر الترابي، وتُستغل من الجانب الليبي، وهي أراض عروشية (قبائل) يطالب أهلها اليوم، أمام تراكم سنوات الجفاف، بضرورة الانتفاع بها”، حسب النائب.
ومضى قائلا: طالبنا مرارا بحصر هذه المساحة على “شريط حدودي ضيق لا يتجاوز عرضه 5 أو 10 كلم من رأس جدير إلى مشهد صالح، ليستغل صغار الفلاحين أراضيهم الزراعية”.
وزاد بأن “المساحة تتوسع (على عرض) من 3 إلى 6 كلم بطول أكثر من 150 كلم وبقيت للجانب الليبي، ونخشى أن يتحول الساتر الترابي إلى حد طبيعي (مع ليبيا)”.
وأمام تصاعد مخاطر الإرهاب، أعلنت تونس عام 2013 إقامة “منطقة عازلة” عن ليبيا والجزائر، لحماية حدودها ومنع تهريب السلاح، ويُمنع دخول المنطقة إلا بتراخيص من السلطات.
وفي 2015، تم حفر خندق عازل بطول 250 كلم على الحدود، وتعزيز الحضور الأمني والعسكري.
وتمتد حدود تونس وليبيا على مسافة 459 كلم، وتضم معبرين حدوديين رئيسيين هما “رأس جدير” و”وازن – ذهيبة”.
وردا على النائب زغدود، قال وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إن “رسم الحدود ومتابعته يتم على مستوى لجنة مشتركة تونسية ليبية دورها ضبط وتحديد الحدود”.
وأردف: “سأقوم بزيارة ميدانية حتى أطلع على الوضع، واتخاذ الإجراءات الضرورية، والمبدأ هو عدم التفريط في أي شبر من تراب الجمهورية”.
** استيضاحات ليبية
مداخلة النائب ورد الوزير التونسيين استدعيا تعقيبا ليبيًا، إذ قالت الخارجية الليبية، عبر بيان في 14 نوفمبر الجاري، إن ملف “ترسيم الحدود الليبية ـ التونسية أُغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد عبر لجنة مشتركة وأصبح غير مطروح للنقاش أو إعادة النظر”.
وأشادت بـ”مستوى التعاون والتنسيق بين الحكومتين الليبية والتونسية، خاصة في المجالات التي تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وتعزيز فرص التجارة والاستثمار المشتركة، فضلا عن تحسين ظروف السفر والتنقل لمواطنين بين البلدين الشقيقين”.
وفي اليوم التالي مباشرة، أعلنت الخارجية التونسية عن اتصال هاتفي بين وزيرها محمد علي النفطي والوزير المكلف بتسيير وزارة الخارجية الليبية سالم محمد الباعور.
وقالت في بيان، إن الاتصال “مثّل فرصة لتجديد التأكيد على عمق ومتانة علاقات الأخوة والتعاون القائمة بين تونس وليبيا والحرص المشترك على دعمها وتعزيزها في كافة المجالات”.
كما “جرى التنويه إلى أهمية الإعداد الجيد لمختلف الاستحقاقات الثنائية القادمة، على قاعدة المصلحة المشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين”، وفق البيان دون إيضاحات.
ويبدو أن اتصال الوزيرين لم يبدد قلقا في طرابلس، ففي 17 نوفمبر الجاري، أجرى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي يوسف العقوري اتصالا هاتفيا بسفير تونس لدى ليبيا أسعد العجيلي، حسب بيان للبرلمان.
وأفاد البرلمان بأن الجانبين تطرقا إلى “ملابسات ما تناولته بعض وسائل الإعلام بخصوص ترسيم الحدود بين البلدين”.
وقال السفير التونسي، حسب البيان، إن “بعض وسائل الإعلام لم تنقل بدقة تصريح وزير الدفاع”.
وأضاف أن “ما حدث كان في سياق جلسة استماع لوزير الدفاع في مجلس النواب، وكان يتحدث عن الأمن داخل الأراضي التونسية، وذكر أن ترسيم الحدود يكون عن طريق اللجنة المشتركة أسوة بدول الجوار الأخرى”.
** وضع هش
واعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي علي السويح، في تصريح للأناضول، أن إثارة موضوع ترسيم الحدود “لن يؤثر على العلاقات الليبية التونسية، في حالة إصدار توضيح من وزير الخارجية التونسي، لأن البعض في ليبيا فهموا التصريحات بطريقة مستفزة”.
ومعلقا على اتصال وزيري الخارجية، رأى أنه “إذا تم توضيح الموضوع للإعلام وللمسؤولين وللرأي العام أكيد سيُحَل المشكل، ولكن الكلام فُهم بطريقة خاطئة واستأنا على مستوى مجلس الدولة من التصريح وعدم التوضيح”.
وتابع: “مهما كان المسؤول (وزير الدفاع التونسي) يجب الانتباه قليلا للتصريحات، لأننا في وضع حساس جدا في ليبيا، وأي دولة تقوم بهذه التصرفات يعتبر نوعا من الاستفزاز، خاصة مع هشاشة الوضع الليبي”.
واستدرك: “لكن يجب على وزير الخارجية أن يخرج ببيان يوضح لليبيين حقيقة ما جرى، فالقضية ليست مرتبطة بوزير الخارجية الليبي فقط، بل أيضا بالرأي العام الليبي”.
وبشأن ما تضمنه بيان البرلمان على لسان السفير التونسي، اعتبر السويح أن “هذا توضيح مهم جدا، وأي مشكلة في ضبط الحدود وأي مشكل يحدث بيننا وبين تونس لو لم نحله بطريقتنا الودية هناك قضاء دولي، ولا يجب تنغيص العلاقة بين البلدين”.
وأعرب عن تطلعه إلى قيام “تحالف اقتصادي تونسي ليبي. هذا التحالف كنا نتوقعه بتفعيل الاتحاد المغاربي لكن لم يتحقق، ونستطيع تحقيق ذلك بين تونس وليبيا”.
** موضوع مثير
ووفق الصحفية التونسية المختصة بالشأن الليبي رجاء غرسة، فإن موضوع الحدود “أسال حبرا كثيرا وما زال منذ تصريح وزير الدفاع التونسي”.
وأضافت غرسة للأناضول: “لا أعلم هل نعتبرها زوبعة في فنجان، دون أن نغفل محاولات نحو تأزيم العلاقة بين تونس وليبيا وتأجيج الوضع”.
واعتبرت أنه لم يكن هناك سبب لحديث وزير الدفاع التونسي عن ترسيم الحدود والعمل ضمن لجنة مشتركة، وهو ما نفته الحكومة الليبية.
واستدركت: “برأيي يجب أن نفهم في البداية أي ترسيم للحدود يقصده الوزير؟ إذا كان مرتبط بالساتر الترابي فهو أمر روتيني (بين البلدين) وضمن اهتماماتهما المشتركة”.
ورأت أنه “في تصريح الوزير ليس هناك ما يوحي بنية الجانب التونسي إحياء ترسيم الحدود المتعلق بما يُعرف بالجرف القاري، حتى إذا ربطناه بتصريح سابق لرئيس الجمهورية (سعيد) سنة 2023 حين قال إن تونس لم تحصل إلا على الفتات” من حقل “البوري” النفطي مع ليبيا في البحر المتوسط.
الصحفية غرسة تساءلت: “إذا افترضنا إعادة فتح الملف، فما هي مبرراته إذا كان قد فصلت فيه محكمة لاهاي (العدل الدولية) لصالح ليبيا بحكم أول سنة 1982 وحكم ثان سنة 1985؟”.
وقضت المحكمة في 1982 لليبيا بكامل “الجرف القاري” في البحر المتوسط بأغلبية 10 أصوات مقابل 4 أصوات، وبعد أن تقدمت تونس بطلب إعادة نظر في الحكم، رفضته المحكمة في 1985.
** فرص مهدورة
وعلاقة تونس وليبيا رغم البعد التاريخي والاجتماعي إلا أنها، حسب غرسة، “تبقى علاقة الفرص المهدورة بامتياز”.
وأوضحت: “بداية بإجهاض تجسيد اتفاق “الحريات الأربع” (التنقل والعمل والتملك والاستثمار) عندما كانت الفرصة مواتية إبان الثورة (2011) والإرادة السياسية متوفرة من أعلى هرمي السلطة في البلدين”.
وأضافت: “للأسف، نصيب تونس من الاقتصاد الليبي بقي رهين تصريحات إعلامية ومجاملات رسمية دون إقرار بضرورة التكامل الاقتصادي لحلحلة أزمة في البلدين تختلف أسبابها ومظاهرها”.
كما “تضرر الاقتصاد بإغلاق متكرر وطويل نسبيا لمعبر رأس جدير الحدودي، الذي يعتبر شريانا حيويا، وبالقيود المفروضة على تدفق البضائع”، كما زادت غرسة.
وقالت: “على الرغم من أن ليبيا هي الشريك الاقتصادي العربي والإفريقي الأول لتونس، فإنه يمكن القول إنه لم تكن هناك رؤية واستراتيجية واضحة على مر السنوات”.
واستطردت: “ولا محاولات جدية بحجم الفرص لقراءة وتحليل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه ليبيا اليوم، وافتكاك مكانة حقيقية في الاقتصاد الليبي بديلا عن الفتات إن صح القول”.
وزادت أنه “يمكن للسوق الليبية أن تكون متنفسا (لتونس) نعم، ليس بمنطق الغنيمة لكن بمنطق الشريك الفعال لإعادة الإعمال، وسوق واعدة للعمل، وسوق استهلاكية مهمة جدا، ما يتطلب تبني عقلية جديدة في بناء الشراكات والولوج إلى الفرص”.