
العربي الجديد-
أنهى صدام، حفتر، مساء السبت (19 يوليو 2025م) زيارة إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد ضمن سلسلة من الزيارات التي نشط فيها أخيرا، ضمن حراك الدبلوماسية العسكرية التي يمثلها في قيادة والده. ووفقا لشعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر، فإن صدام التقى في إسلام آباد برئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير، ورئيس أركان القوات البحرية الباكستانية نويد أشرف، بالإضافة إلى رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، لبحث قضايا التعاون المشترك، كتعزيز التعاون الدفاعي الثنائي، وتطوير العلاقات في مجال القوات البحرية بين البلدين.
وجاءت الزيارة في سياق حركة متعددة المحطات بدأها صدام في خطوة غير مسبوقة تعكس سعي والده للانفتاح على العواصم الإقليمية والدولية ورسم خريطة تحالفاته العسكرية معها، ففي مطلع إبريل الماضي زار صدام، بصفته رئيس أركان القوات البرية، أنقرة، التي استقبله فيها وزير الدفاع يشار غولر، ورئيس أركان القوات البرية التركية سلجوق أوغلو، وبحث معهما سبل التعاون العسكري، في أول اتصال على المستوى العسكري بين تركيا وحفتر.
وفي نهاية الشهر ذاته زار واشنطن بصفته مبعوث والده، حيث التقى مسؤولين أميركيين في وزارة الخارجية الأميركية وناقش معهم سبل دعم واشنطن لاستقرار ليبيا. ثم زار روما في الثاني عشر من يونيو، حيث ناقش مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو تطورات الأوضاع الأمنية في حوض المتوسط، قبل أن يزور القاهرة في الثالث والعشرين من الشهر ذاته، إذ بحث مع رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية أحمد فتحي خليفة آفاق تعميق التعاون الأمني والعسكري القائم في مجالات مكافحة الإرهاب والتهريب وتبادل الخبرات.
وفي سياق هذا الحراك النشط، يشهد معسكر حفتر تحولات كبيرة تعكس خطة يهدف من خلالها حفتر الأب لترسيخ حكم عائلي، فبعد انكسار عدوانه على العاصمة طرابلس في منتصف العام 2020، شرع في سلسلة تغييرات كبيرة بإزاحة أعمدة عسكرية سابقة كانت تشكل مراكز قوته وثقله في هيكل قيادته إلى مناصب أدنى، مثل اللواء عبد السلام الحاسي، آمر القوات البرية، واللواء فوزي المنصوري، أحد أركان القوات البرية في وسط البلاد، واللواء مراجع العمامي، آمر اللواء طارق بن زياد، وآخرهم العقيد حسن الزادمة، الذي حل لواءه اللواء 128 مشاة وأقاله من منصبه في يناير الماضي.
وفي مقابل ذلك، صدّر حفتر أبرز أبنائه في قيادات عليا، فعيّن في مايو 2024 صدام رئيسا لأركان القوات البرية برتبة فريق، وهو المنصب الذي منحه الغطاء الرسمي للتحرك العسكري والدبلوماسي، ورقى في الفترة ذاتها ابنه الثاني خالد إلى رتبة فريق وعينه رئيسا لأركان الوحدات الأمنية، كما استحدث منصبا جديدا، لصالح الابن الثالث بلقاسم، الذي أصبح قائدا لجهاز التنمية والإعمار، فتح من خلاله أبواب الاستثمارات والعقود الدولية
صدام.. مكانة استثنائية
وعلى الرغم من أن هذا التوزيع الدقيق للأدوار بين الأبناء يعكس اتجاه حفتر نحو تأسيس حكم عائلي متكامل الأركان، ويطوي صفحة الجيل القديم من الضباط ويؤسس لحكم الأبناء، إلا أن أستاذ العلوم السياسية حسن عبد المولى يؤكد أن صدام “لا يزال الأبرز من بين إخوته، وتمثيله لوالده في الخارج يؤكد مكانته الاستثنائية”.
ويعد صدام أول أولاد حفتر بروزا في منظومة حكمه العسكري، إذ عينه والده آمرا للكتيبة 106 في بنغازي بمنتصف عام 2021، قبل أن يضم إليها كتائب أخرى ضمن لواء سماه “لواء طارق بن زياد” وعينه آمرا له في العام التالي، ثم عينه رئيسا لأركان القوات البرية التي تمتد سيطرتها إلى سرت، وسط شمال البلاد، وكامل الجنوب والجنوب الغربي للبلاد.
ووفقا لقراءة عبد المولى لجولات صدام الخارجية المتعددة والمتنوعة، من واشنطن إلى أنقرة، مرورا بروما والقاهرة وإسلام آباد، يرى أنها تحمل رسائل لكل الأطراف الإقليمية والدولية، وأوضح في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “حفتر يريد القول إنه لا يرغب في أن يكون حبيس التحالف التقليدي مع الروس فقط، بل يريد أن يكون منفتحاً على الجميع، حتى الخصوم السابقين كتركيا، واضطلاع صدام بهذا الدور ليس كأداة لتحقيق التنوع والتوازن في علاقات كانت أحادية وفي اتجاه واحد فقط، بل للقول إن التحالفات مستمرة في المستقبل أيضا من خلال تقديم صدام، الوجه الجديد، للعالم، القادر على حمل المشروع، ومعناه أكثر عمقا، فهو الوريث لهذه التحالفات”
سلطة مطلقة في يد العائلة؟
من جانبه، يلفت الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه إلى أن الرسائل التي يوجهها حفتر للداخل أهم من رسائل الخارج، مشيرا إلى أن إزاحة ضباط مثل الحاسي والمنصوري والعمامي والزادمة وتقديم صدام وخالد عليهم، يعني عملية إعادة هيكلة لنظام حكم مستقبلي يتركز في سلطة مطلقة في يد العائلة، موضحا في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن المهام في توزيعها الدقيق هي أن صدام يصنع التحالفات بالخارج، وخالد يحرس النظام داخليا، وبلقاسم يدير الموارد المالية.
ورغم توصيفه لشكل منظومة حكم العائلة الجديد، إلا أن همومه يرى أن نشاط صدام يعد مركز استراتيجية والده الطويلة لضمان انتقال سلس للسلطة داخل العائلة، وبناء شرعية دولية للوريث الذي سيتولى قيادة المعسكر من بعد والده، في محاولة لضمان استمرارية مشروع حكم العائلة، لكنه يلفت إلى أنه مشروع “محفوف بالمخاطر على مستقبل البلاد”.
ويوضح الباحث الليبي ذلك بعدم وجود ضمانات لعدم انجرار الأبناء الثلاثة إلى التنافس المحموم بينهم على السلطة، خاصة في ظل تفرد صدام بقيادة القوات البرية التي تسيطر على مساحات واسعة من البلاد. أما الوجه الآخر للمخاطر، وفقا لرأي همومه، فهو أن تلك القوة البرية التي تخضع لسيطرة صدام قد تغريه بمحاكاة طموح والده في حكم البلاد عسكريا، وتكرار حروبه السابقة بغزو غرب البلاد للسيطرة على العاصمة. ومن بين المخاطر الأخرى التي يبزرها همومه “تضارب مصالح الدول التي يتصل بها صدام، دون أن يمتلك الأدوات الدبلوماسية لإدارة هذا التضارب، وتدفع بلادنا ثمن لعبة توازنات تنتهي بجرها إلى مستنقع صراعات لا نهاية لها”.