العربي الجديد-
دفعت المحكمة الجنائية الدولية بملف جرائم المقابر الجماعية في ترهونة إلى واجهة المشهد الدولي بعدما أصدرت مذكرات توقيف بحق متورطين من مليشيا “الكانيات” التي تحالفت مع حفتر، واتهمتهم بارتكاب جرائم حرب.
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في الخامس من أكتوبر الجاري مذكرات توقيف بحق ستة ليبيين ينتمون إلى مليشيا “الكانيات” وجهت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب تشمل القتل، في قضية جرائم المقابر الجماعية في ترهونة، إضافة إلى التعذيب والمعاملة القاسية والعنف الجنسي والاغتصاب.
وقالت المحكمة الجنائية الدولية إن “جميع المطلوبين الستة أعضاء في مليشيا الكانيات التي تسيطر على ترهونة، وتحالفت مع حفتر وساعدت قواته في الهجوم الذي شنته على العاصمة طرابلس في عامي 2019 و2020.
وإثر اكتشاف عدد من المقابر الجماعية في ترهونة قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق زار أعضاؤها ليبيا مرات، إحداها لمدينة ترهونة برفقة المدعي في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان في نوفمبر 2022.
وفي مايو الماضي، أعلن خان إصدار مذكرات توقيف جديدة بتهمة ارتكاب جرائم في ليبيا، لكنها بقيت سرية حتى إعلانها أخيراً، وضمت عبد الرحيم الكاني شقيق زعيم مليشيا الكانيات الراحل، محمد الكاني، ومخلوف دومة ومحمد الصالحين وناصر مفتاح ضو وفتحي الزنكال وعبد الباري الشقاقي.
وعلّق خان على رفع المحكمة الجنائية الدولية السرية عن مذكرات التوقيف بأنه “خطوة مهمة في العمل الجماعي لتحقيق العدالة ومعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات”. وبرر عدم إعلان مذكرات التوقيف منذ صدورها بأنه يهدف إلى إعطاء فرصة للاعتقال في ظروف أقل ضرراً.
وسبق أن فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات على أفراد في مليشيا “الكانيات” عام 2020، بسبب الاشتباه في تورطهم بانتهاكات واسعة.
وفيما لم تصدر أطراف السلطات الليبية المختلفة أي موقف بشأن طلبات التوقيف الصادرة عن المحكمة، أعلنت منظمات حقوقية أهلية في ليبيا ترحيبها بقرار المحكمة، لكنها اعتبرت أن طلبات التوقيف غير كافية، وأنه لا بدّ من مطالبة السلطات مباشرة بالتعاون مع المحكمة لاعتقال المطلوبين.
واعتبرت رابطة أهالي ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة، في بيان أصدرته، أن “مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية تشكل اختباراً حقيقياً لمحاولة السلطات الليبية القبض على المطلوبين وتسليمهم، وكان الأولى أن تقدمهم السلطات نفسها للمحاكمة، ولحكومات الدول التي تؤوي المطلوبين أيضاً”، إشارةً إلى دول عربية فيها بعض هؤلاء المطلوبين.
ويطالب عدد من النشطاء الحقوقيين بضرورة تكثيف التحقيقات ومواصلتها ضم شخصيات أخرى متهمة بارتكاب جرائم في ترهونة إلى مذكرات التوقيف، وأحدهم الأكاديمي والناشط الحقوقي عيّاد الزروق الذي يرى أن كشف سرية مذكرات التوقيف يشير بوضوح إلى عجز المحكمة الجنائية الدولية عن التنسيق مع السلطات الليبية لاعتقال المطلوبين.
ويعتبر الزروق، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “إعلان المحكمة عن مذكرات التوقيف، وإشهار أسماء المطلوبين خطوة للضغط على الأطراف الليبية وإحراجها أمام الرأي العام كي تتحمّل مسؤولياتها أمام شعبها”.
يتابع: “لا يخفى أن المطلوبين هم في أيدي قوات حفتر التي تقدم لهم الحماية والمأوى. وجرى التخلص سابقاً من قائد مليشيا الكانيات محمد الكاني في ظروف غامضة، ويبدو أن مقتله هدف إلى حجب حقائق لا يعلمها إلا هو نفسه”.
وفي يونيو الماضي، قضت محكمة جنايات طرابلس بإعدام شخص تورط مع مليشيا “الكانيات” في جرائم المقابر الجماعية، وقررت في الشهر ذاته حبس متورط آخر على ذمة التحقيق قالت إنه اعترف بقتل 22 من أهالي ترهونة. ولا يزال معتقلون على ذمة التحقيق في القضية ذاتها.
وفي يناير الماضي أعلن النائب العام الصديق الصور وجود 51 متهماً، هم 49 ليبياً وأجنبيان، على ذمة التحقيقات في قضايا المقابر الجماعية، وإصدار تسع نشرات حمراء بحق متهمين موجودين في السعودية والإمارات ومصر وتونس.
وعَرَضَ “الصور” إحصاءات مرتبطة بعمليات التحقيق التي تجريها النيابة العامة منذ اكتشاف المقابر الجماعية. وأعلن إصدار 400 أمر ضبط محلي وأوامر باسترداد ستة متهمين رئيسيين في هذه الجرائم قدمتها النيابة العامة إلى القاهرة، وأشار إلى أن النيابة تلقت 521 بلاغاً من أهالي الضحايا.
وبالعودة إلى الزروق فيذكّر بـ”عدم تنفيذ العديد من أوامر القبض ومذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في السابق، في حين جرى التخلص من أشخاص بينهم قائد الإعدامات محمود الورفلي، وزعيم مليشيا الكانيات محمد الكاني في ظروف غامضة، وأن متورطين آخرين بالعمليات يتلقون حماية من أطراف خارجية”.
ويرجح الزروق “أن تتحكم مصالح السياسيين والخصومات الدائرة بينهم بمذكرات التوقيف الجديدة. وما دام من يحمي المتورطين ويؤويهم أطراف سياسية وعسكرية في الأساس، فلن تستطيع النيابة العامة قطع خطوات أخرى للقبض على الأشخاص التي يؤويها هذا الطرف العسكري، وأتحدث هنا عن حفتر تحديداً، أما من هم خارج أراضي سيطرتهم فسوف يُقبض عليهم ويحاسبون”.
وتُواصل فرق الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين عمليات انتشال الجثامين وأخذ العينات منها وتحليلها عبر الحمض النووي لمطابقتها وكشف هوياتها. وحتى مايو الماضي جرى التعرّف على 346 جثماناً، بحسب ما أعلنت الهيئة.
ذات صلة: