جرائم الحرب الإسرائيلية أمام “الجنائية الدولية”: أي قرارات ممكنة؟
العربي الجديد-
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، يوم الجمعة الماضي، أن خمس دول قدّمت طلبات إلى المحكمة، للتحقيق فيما إذا كانت هناك جرائم حرب قد ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي: جنوب أفريقيا وبنغلادش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي.
وقال خان في بيان، إن مكتبه “يجري بالفعل تحقيقاً بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية، بدأ في 3 مارس /آذار 2021، بشأن جرائم محتملة ربما تكون ارتكبت منذ يونيو/ حزيران 2014 في غزة والضفة الغربية”.
الجنائية الدولية… تحقيق مستمر منذ 2021
وتابع أن “الأمر مستمر ويمتد إلى تصاعد الأعمال العدائية والعنف منذ الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر 2023”. وأضاف: “وفقاً لنظام روما الأساسي، يتمتع مكتبي بالولاية القضائية على الجرائم المرتكبة على أراضي دولة طرف وفيما يتعلق بمواطني الدول الأطراف”.
وحول ماهية الطرق القانونية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وكيفية إثبات ارتكاب جرائم الحرب من قبل هؤلاء المسؤولين، والعقوبات التي يمكن أن تصدر بحقهم في حالة الإدانة من قبل المحكمة، تحدث أستاذ القانون الدولي العام، في مصر، أيمن سلامة، لـ”العربي الجديد”، قائلاً إن “الأهم في هذا الموضوع، هو توثيق الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني، لأن النظام الأساسي للجنائية الدولية، يتطلب الذهاب إلى المحكمة بملف متكامل، وأدلة معقولة، ليست بالضرورة أن تكون أدلة دامغة يقينية. كما يجب الربط بين الأضرار التي نتجت عن جرائم الحرب المدعاة، سواء كانت قتلى أو جرحى أو إصابات أو تدمير ممتلكات أو انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، والقادة والمسؤولين الإسرائيليين، كما يجب أن تكون هناك علاقة سببية وأن يتم إثبات ذلك”.
وأضاف سلامة أن “شرائط الفيديو واليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن تعتبر أدلة، لكنها ليست الأدلة الأقوى، والتي تتمثل في بيانات وإفادات المنظمات الدولية الحكومية مثل الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والأونروا ونائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (مارتن غريفيث)”.
وحول المسؤولية الدولية عن ارتكاب جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، أوضح سلامة أنها “تطاول المسؤولين المدنيين وأيضاً العسكريين المشتركين أو المساهمين في ارتكاب هذه الجرائم”.
وشدد على أن “الصفة الرسمية للمتهم، لا تبيح له ارتكاب الجريمة الدولية، ولا تمنع عنه المساءلة، ولا تخفف عنه العقاب، وعلى هذا الأساس قامت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رؤساء في سدة الحكم، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العام الماضي، والرئيس (السوداني المخلوع) عمر البشير، الذي صدرت بحقه مذكرتا اعتقال عامي 2009 و2010”.
وأشار أستاذ القانون الدولي العام إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “صدرت مذكرة اعتقال بحقه، بتهمة ارتكاب جريمة حرب، تتمثل في النقل القسري لأطفال من أوكرانيا إلى روسيا. أما البشير فصدرت مذكرة بحقه عام 2009، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ثم مذكرة 2010، بزعم ارتكابه جريمة الإبادة الجماعية في إقليم دارفور”.
ولفت إلى أن “هناك رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، الذي أيضاً لوحق بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة ضد الإنسانية في أعقاب أعمال عنف دامية في انتخابات عام 2007، ولكن تم إسقاط التهم عنه في وقت لاحق”.
وحول العقوبات التي يمكن أن تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية، قال سلامة إن “أقصى عقوبة في المحكمة، هي السجن مدى الحياة، إذ لا توجد عقوبة الإعدام في نظام المحكمة الأساسي”.
نوعان من جرائم الاحتلال
وأشار أستاذ القانون الدولي العام، إلى أن المحكمة الجنائية الدولية، لا تزال تحقق في جرائم حرب مدعاة وقعت في عملية “الجرف الصامد” الإسرائيلية في قطاع غزة عام 2014، حيث بدأ المدعي العام للمحكمة التحقيق فيها منذ عام 2021″، موضحاً أن “المدعي العام للمحكمة، يحقق في نوعين من الجرائم التي ارتكبت في عملية الجرف الصامد، ولكن ليس ضد الحكومة الإسرائيلية كما هو شائع، ولكن ضد مسؤولين إسرائيليين، ادعت عليهم دولة فلسطين بارتكاب جرائم حرب”.
وبيّن سلامة أن “دولة فلسطين تقدمت إلى المحكمة بصفتها دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية اعتباراً من عام 2015، فور انضمامها للمحكمة”.
وقال إن “المحكمة قبلت نوعين من جرائم الحرب المدعى ارتكابها من قبل مسؤولين إسرائيليين لا نعرف من هم، ويمكن أن يكون بينهم (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو ووزراء الأمن والداخلية والدفاع، وقائد الشاباك، ولكن في النهاية هم أشخاص وليست الحكومة الإسرائيلية”.
وحول نوعية الجرائم المرتكبة من قبل المسؤولين الإسرائيليين في عملية “الجرف الصامد”، قال سلامة إنها “جرائم المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وهي جريمة حرب مستمرة لم تنقطع، حيث إنه بموجب النظام الأساسي للمحكمة، تحظر المادة الثامنة إقامة المستوطنات من قبل المحتل في الأراضي المحتلة. والنوع الثاني، هي جرائم الحرب المدعى ارتكابها من جيش الاحتلال من أشخاص وقادة، وهنا يمكن أن تطاول المسؤولية الجنائية نتنياهو ووزراء الأمن والداخلية والأمن القومي”، مضيفاً أن “لا أحد يعلم متى تنتهي التحقيقات الجنائية”.
وحول الطرق التي يمكن من خلالها التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، أوضح أستاذ القانون الدولي أنه “لا يمكن للمنظمات غير الحكومية والضحايا رفع دعوى قضائية مباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولا يمكنهم القيام بذلك إلا من خلال إحدى قنوات أربع: إما من قبل دولة طرف في نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، وقد فعلتها فلسطين تدليلاً، أو من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقد فعلها المجلس في دارفور عام 2005 وفي ليبيا عام 2011، وهنا لا يقوم المجلس إلا بإحالة حالة أو موقف يعتقد مجلس الأمن ارتكاب أي جريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة لمكتب المدعي العام للمحكمة للتحقيق فيها”.
كما بالإمكان القيام بذلك، وفق شرحه، “من قبل المدعي العام للمحكمة، الذي يمكنه بدء التحقيق بمبادرة منه، وترتهن صلاحية المدعي العام في هذه الحالة بضرورة أن تكون الدولة التي سيباشر فيها المدعي العام للمحكمة التحقيقات عضواً في نظام المحكمة والتي وصل عدد أعضائها إلى 123 دولة”.
وأخيراً يمكن رفع الدعوى “من قبل دولة غير عضو في نظام المحكمة الجنائية الدولية، حيث تستطيع هذه الدولة أن تعلن المحكمة قبولها التحقيق من قبل المحكمة في جرائم وقعت على إقليمها، بشرط أن تكون هذه الجرائم قد وقعت في إقليم هذه الدولة، وسبق لساحل العاج وجورجيا وأوكرانيا أن فعلت ذلك”، وفق سلامة.
وأضاف سلامة أنه “يمكن للمنظمات غير الحكومية والضحايا أن يلعبوا دوراً في رفع القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية بطرق عدة، يستطيعون من خلالها تقديم معلومات إلى المدعي العام حول الجرائم المحتملة، وإرسال رسائل إلى المحكمة الجنائية الدولية تطلب فيها من المدعي العام التحقيق في موقف معين، كما يمكن لها المشاركة في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية كمراقبين أو ضحايا”.