الحرة–
أثارت مخرجات اجتماع لجنة ليبية مشتركة الجدل بشأن السماح بترشح سيف القذافي، في الانتخابات الرئاسية التي من المفترض إجراؤها قبل نهاية العام الجاري.
وتلاحق المحكمة الجنائية الدولية سيف بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”.
وأعلنت اللجنة المكونة من ستة أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة، خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي في مدينة بوزنيقة المغربية، “توقيع أعضائها على القوانين الانتخابية” التي أنجزتها عقب مباحثات في المدينة لنحو أسبوعين، مشددة على أن القوانين المقرة “نهائية ونافذة وستجرى عبرها الانتخابات المقبلة”.
ويؤكد أستاذ القانون العام في الأكاديمية الليبية في طرابلس، مجدي الشبعاني، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن مخرجات اللجنة تعتبر نهائية.
وأوضح أن “النص الدستوري في التعديل الثالث عشر يؤكد أنه لا يحق للبرلمان تعديل القوانين التي تصدرها لجنة 6+6. ووفقا للنظام الداخلي، فإنه يتم إحالتها لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح الذي يضع لها رقما ويوقع عليها بدون تعديل وينشرها في الجريدة الرسمية”.
وحصل موقع “الحرة” على مسودة قانوني انتخاب رئيس الدولة، حيث تشير المادة 15 إلى أن من شروط الترشح ألا يكون محكوما عليه نهائيا في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة”.
ويعتبر عضو البرلمان الليبي، إبراهيم الدريسي، في حديث لموقع “الحرة” أن “من الطبيعي أن تسمح هذه اللجنة لكل مواطن ليبي بالترشح، وسيف مواطن ليبي له حق التمتع بالقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية ومن بينها إلغاء العزل السياسي وقانون العفو العام، فضلا عن أن هناك أحكاما قضائية ببراءته وعدم ملاحقته قانونيا، وبالتالي يحق له الترشح”.
وأضاف “كما سيحق لحفتر الترشح أيضا، بالإضافة إلى رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة ورئيس البرلمان، عقيلة صالح”.
ويقول المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، إن “المادة تتحدث عن أنه يجب أن يكون هناك حكم نهائي، لكن سيف لم يصدر بحقه حكم نهائي وإنما غيابي، وهذا يعتبر بمثابة أمر بالقبض عليه، وعندما يقبض عليه ستعاد محاكمته مرة أخرى”.
لكن محفوظ يضيف في حديثه لموقع “الحرة” أنه “إذا سمحت القوانين بترشح سيف، فهذا سينسف العملية الانتخابية برمتها”.
وقال: “لا أعتقد أبدا أن الأطراف التي تملك السلاح سواء حفتر في الشرق أو الكتائب والمجموعات العسكرية في الغرب، ضد تيار سبتمبر، ستتعاطى مع هذه مسألة السماح بترشح نجل القذافي بشكل بسيط”.
وفي الأول من سبتمبر عام 1969، قامت حركة “الضباط الوحدويين الأحرار” في الجيش الليبي بزعامة القذافي، بالإطاحة بالملك إدريس السنوسي، والاستيلاء على الحكم، في ما عرف لاحقا بـ”ثورة الفاتح من سبتمبر”.
وعبّر نحو 60 عضوا من مجلس النواب (طبرق) وما يزيد عن 50 عضوا من المجلس الأعلى للدولة (طرابلس) عن رفضهم لمخرجات لجنة (6+6).
وزاد من إرباك وضع “الاتفاق النهائي” غياب كل من رئيسي مجلس النواب، عقيلة صالح، والمجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عن حفل التوقيع إثر خلافات تصاعدت بشأن الجدل حول بعض المواد القانونية.
ولم يمنع هذا الجدل عددا من الأطراف الدولية من الترحيب بالتوافق على القوانين المنظمة للانتخابات، بينما تتوجس دول أخرى فاعلة في المشهد الليبي من اتفاقات اللجنة المكونة من ستة أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة.
والثلاثاء (13 يونيو 2023م) التقى حفتر بمقر قيادة الجيش الوطني ببنغازي برئيس وأعضاء مجلس النواب، وناقش معهم الأوضاع السياسية والأمنية ومخرجات اللجنة المشتركة (6+6)، بحسب الصفحة الرسمية لمكتب الإعلام بالقيادة العامة على الفيسبوك.
من جانبه يرى الدرسي أن “إقصاء أي طرف من هذه الأطراف المؤثرة، وخاصة سيف بمثابة وضع العصا في عجلة العملية الانتخابية وستكون حينها منقوصة وستحدث مشاكل كثيرة إذا تم استبعاده، وسيزيد الأمر تأزما”، مضيفا أن “سيف يمثل شريحة كبيرة جدا من المجتمع الليبي والنظام السابق الذي لا يزال له أنصار”.
وقال: “لماذا لا يتم السماح له بالترشح ويقول الليبيون كلمتهم، إذا لم يريدوه فلن ينتخبوه”.
لكن الشبعاني يقول إنه “بناء على ما تم الاتفاق عليه، فإنه سيسمح لأي مواطن ليبي بالترشح، ثم ستكون هناك جولة ثانية بين أكثر اثنين حصولا على الأصوات حتى لو كان حصل أحدهما على 90 في المئة وكان الأقرب له قد حصل على خمسة في المئة”.
وأضاف: “في الجولة الثانية، على المترشحين أن يقدما أوراقا أخرى، وهي إثبات عدم تملكهما جنسية أخرى أو أن المرشح بدأ إجراءات التنازل عن الجنسية بأوراق رسمية من البلد الذي كان يحمل جنسيته، كما سيفتح باب الطعون في ما يتعلق بشرط الجنسية وبعض الشروط الأخرى مثل إن كان محكوما عليه في جناية أو جنحة”.
وأكد أنه لا يجوز الطعن في المرحلة الأولى أمام القضاء، “كأن الانتخابات تبدأ في المرحلة الثانية فعليا بين شخصين وأن المرحلة الأولى هي استفتاء للشعب لاختيار شخصين تقام بينهما الانتخابات الرئاسية”.
ويرى الشبعاني أن “القانون بهذه الصياغة غريب وربما من حيث الواقع، ربما لا يلبي الشروط، ومن رأيي أنه كان من الأفضل أن تدار انتخابات من جولة واحدة، لأن الصيغة الحالية ربما تفتح الباب للبعض لافتعال حرب”.
ويضيف: “حسب القانون، فإن سيف مواطن ليبي، وإذا توفرت فيه الشروط فلا نستطيع ان نصادر حقه في الترشح”.
ولكن الشبعاني يرى أن الانتخابات الرئاسية “مرحلة خطيرة لأننا لم نحقق العدالة الانتقالية ولا المصالحة الوطنية، وربما يحمل نجل القذافي مشروع سبتمبر الذي قد يكون إقصائيا، وربما يحمل حفتر مشروعا عسكريا، قد يكون إقصائيا كذلك، وكذلك من يحمل مشروع ثورة فبراير التي اندلعت في 2011، خاصة وأن الرئيس في التعديل الدستوري الثالث عشر يمتلك صلاحيات كبيرة”.
وأضاف “كان من المفترض أن يكون هناك تعزيز لوسائل الطمأنينة والثقة والعدالة في المجتمع من خلال إجراء انتخابات برلمانية أولا، ويشرف هذا المجلس المنتخب بدوره على انتخابات رئاسية”.
ويرى محفوظ أن “المسألة لا تتعلق بخشية أو غيرها بقدر ما هو اعتقاد جازم من العديد من الأطراف الليبية والدولية بأن ترشح سيف سينسف العملية برمتها مثل ما حدث في عام 2021، وهذا من ضمن الأسباب التي تجعل بعض الدول تطالب بتوسعة هذا التوافق”.
وكان مقررا أن تشهد ليبيا انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر 2021 لكنها أرجئت حتى إشعار آخر بسبب خلافات بين مختلف الأطراف.
وخلال هذه الانتخابات، حاصر مسلحون مقر محكمة سبها جنوبي البلاد لأيام قبل السماح لها بالعمل مجددا، للضغط من أجل أن تقبل طعن سيف بقرار استبعاده من جانب مفوضية الانتخابات علما أنه مطلوب دوليا ومحكوم محليا.
وأسقط الليبيون في 2011 بدعم من حلف شمال الأطلسي نظام معمر القذافي بعد انتفاضة استغرقت بضعة أشهر، وغرقت ليبيا بعد ذلك في الفوضى ومزقتها صراعات على السلطة.
وأفادت الأمم المتحدة الخميس أنها “أخذت علما” باتفاق لجنة (6+6) على الأحكام القانونية التي تشكل إطارا للانتخابات المفترض إجراؤها بحلول نهاية 2023 في البلد المقسم، مؤكدة أن “عناصر مهمة في قوانين الانتخابات تتطلب قبول ودعم” مختلف الأطراف السياسية والأمنية، للسماح بإجراء انتخابات “ذات مصداقية وناجحة”.
ولم يمنع هذا الجدل عددا من الأطراف الدولية من الترحيب بالتوافق على القوانين المنظمة للانتخابات، بينما تتوجس دول أخرى فاعلة في المشهد الليبي من اتفاقات لجنة (6+6).
وبينما أعلن ممثلو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في طرابلس دعمهم لموقف الأمم المتحدة، رحبت كل من قطر ومصر والسعودية والإمارات والعراق بنتائج اجتماعات المغرب.
ويرى الدرسي أن الغرب لا يريد ترشح سيف، لكن الشرق ممثلا في روسيا التي لها قوات فاغنر العسكرية على الأرض تؤيد ترشحه.