اخباراقتصادالرئيسية

ثروات ليبيا المنهوبة… سفن الصيد الأجنبية تستبيح المياه الإقليمية

العربي الجديد-

تنهب سفن الصيد الأجنبية ثروة ليبيا السمكية، وتستبيح مياهها الإقليمية بسبب الانقسام الأمني والسياسي، ما أسفر عن تراجع خطير لإنتاج البلاد صاحبة أطول شاطئ عربي على البحر المتوسط، ومع ذلك لم تتمكن من الاستفادة منه.

– تتثاقل قدما الصياد الليبي أيمن عريبي عن الذهاب صباحا إلى عمله في منطقة الخمس الساحلية، شرق طرابلس، بسبب صعوبة العثور على الأسماك مع تصاعد الأنشطة غير القانونية للسفن الأجنبية في المياه الإقليمية للبلاد، التي تراجع حجم إنتاجها من 47 ألف طن من الأسماك في عام 2010 ووصل إلى 25 ألف طن في عام 2022، وتزايد الهبوط ليصل إلى 20 ألف طن في 2023، كما يؤكد لـ”العربي الجديد”، مدير التعاون الدولي في وزارة الثروة البحرية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الهادي الترجماني، والذي يحمل السفن الأجنبية مسؤولية التدهور الكبير للثروة السمكية.

ويشكل نهب الثروة السمكية الليبية تهديدًا للمجتمعات الساحلية التي يعتمد سكانها بشكل رئيسي على الصيد مصدرا أساسيا لتوفير قوت عائلاتهم، بحسب إفادة أحمد أبولسين، مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية (غير حكومي). ويبلغ طول شريط البلاد الساحلي 1770 كيلومترا، ويضم مدناً وبلدات، منها الخمس ومصراتة وسرت وبنغازي، وتعد من بين أهم المناطق الغنية بالثروات البحرية المتنوعة، مثل أسماك السردين والتونة والقريدس، وتمثل موردا اقتصاديا مهما للبلاد، كما يقول مدير إدارة الشؤون البحثية في المركز الليبي لأبحاث تغير المناخ التابع للهيئة الليبية للبحث العلمي، الدكتور علي بن طالب.

تراجع هائل في الإنتاج

يتراجع الإنتاج السمكي في ليبيا بشكل حاد منذ عام 2012، حتى أنه وصل في نهاية عام 2015 إلى 3.5 آلاف طن، بنسبة مساهمة لم تتجاوز 0.17% من إجمالي الإنتاج السمكي لدول المغرب العربي، رغم امتلاك ليبيا أطول ساحل على البحر الأبيض المتوسط، بحسب دراسة “الاتجاهات الحديثة في الثروة السمكية الليبية مقارنة بدول المغرب العربي”، المنشورة في مجلة علوم البحار والتقنيات البيئية (علمية محكمة تصدرها كلية الموارد البحرية الليبية)، في ديسمبر 2020.

وينقسم “الساحل الليبي إلى ثلاث مناطق صيد رئيسية، هي طرابلس، والتي تمتد من حدود تونس إلى وادي كعام بمدينة الخمس (140 كيلومترا إلى الشرق من طرابلس)، ومنطقة خليج سرت الممتدة من وادي كعام إلى بلدة الزويتينة، شرق ليبيا، ومنطقة الجبل الأخضر الممتدة من الزويتينة إلى الحدود مع مصر”، ومن بين أسباب الانخفاض الحاد في الإنتاج، التعديات على مرافق وموانئ الصيد وسوء إدارة القطاع، على عكس باقي دول المغرب العربي التي حافظت على زيادة إنتاجها السمكي من المصايد في عام 2015 لتصل إلى 64.433 طناً في موريتانيا، و13.700 طن في المغرب، و11.746 طناً في تونس، وعشرة آلاف طن في الجزائر”، حسب الدراسة ذاتها، والتي لفتت إلى أن “الناتج المحلي الإجمالي للإنتاج السمكي الليبي أقل من 1%”.

وتجمع مصادر التحقيق على أن نهب الثروة السمكية أدى إلى تراجع الإنتاج إلى أقل من النصف، إذ يقول الصياد عريبي: “أشاهد سفن الصيد الأجنبية تسرح وتمرح في مياه البلاد، وخلال العام الماضي رصدت 23 عملية اختراق على شاطئ الخمس فقط. والأخطر أن تلك السفن تستخدم شباك الجر الواسعة لجمع الأسماك الكبيرة والصغيرة، مع جرف الشعاب المرجانية، وهذه من أكثر أساليب الصيد تدميرًا للتنوع البيولوجي وللنظامين البيئي والبحري لأنها لا تميز بين الأسماك المطلوبة والكائنات الأخرى، وبالتالي تقتل كميات كبيرة من المخلوقات البحرية”.

ما سبق يؤكده نقيب صيادي طرابلس مصطفى صطي، قائلا: “السفن المتورطة في نهب موارد البلاد تأتي من دول إيطاليا واليونان واليابان ومالطا ومصر وتونس، وتستغل ضعف الرقابة البحرية لتدخل دون تصاريح قانونية، وتستخدم أساليب عديدة للتهرب من المسؤولية، بما في ذلك تغيير الأعلام وتزوير وثائق الشحن، لإخفاء هويتها الحقيقية، وكل هذا يستنزف الثروة السمكية ويدمر البيئة البحرية الليبية”، وفي المحصلة، يكبد الصيد غير القانوني ليبيا خسائر سنوية تقدر بخمسة مليارات دولار أميركي سنويا، كما يؤكد الخبيران بن طالب وأبولسين لـ”العربي الجديد”.

استباحة المياه الإقليمية

تمكنت وحدة خفر السواحل التابعة للقوات البحرية الليبية بحكومة الوحدة الوطنية من ضبط سبع سفن أجنبية تونسية ومالطية أثناء قيامها بالصيد غير القانوني في المياه الإقليمية خلال شهر يوليو 2024، بحسب تأكيد العميد مسعود عبد الصمد، الناطق باسم رئاسة أركان القوات البحرية.

يؤكد صطي الأمر قائلا: “بالفعل ضبطت سفن صيد أجنبية في المياه الإقليمية الليبية، لكني لم ألمس أثناء وجودي في وحدة خفر السواحل في يوليو الماضي اتخاذ أي إجراءات ضد المخالفين”، ويتفق معه نقيب الصيادين الليبيين المكلف محمد شعبان، الذي أكد أن وحدة خفر السواحل لم تستجب لمطالبه بالتدخل لمنع السفن الأجنبية من العمل في المياه الإقليمية للبلاد بعد تلقيه 75 شكوى من الصيادين خلال الفترة من يوليو وحتى سبتمبر الماضي، مضيفا في حديث لـ”العربي الجديد”: “الحدود البحرية الليبية لم تكن بهذا الضعف. النظام كان صارما في منع الصيد غير المشروع من خلال تسيير دوريات بحرية لمراقبة السفن والتأكد من التزامها بالقوانين المحلية”.

وفرضت ليبيا في عهد القذافي قيودًا على الصيد خلال فترات تزاوج وتكاثر الأسماك لتجنب نقص المخزون السمكي مع تحديد مناطق محمية يُمنع فيها الصيد حفاظا على الشعاب المرجانية والكائنات البحرية المهددة بالانقراض، بحسب شعبان، الذي قال: “إدارة الثروة السمكية وتطبيق معايير الصيد المستدام أمران لا غنى عنهما للحفاظ على موارد البلاد الطبيعية”. ويرد الناطق باسم رئاسة أركان القوات البحرية على صطي وشعبان، قائلا: “العديد من الدوريات البحرية تواجه صعوبات لوجستية تؤثر على قدرتها في تغطية جميع المناطق الساحلية، ما قد يؤدي إلى تأخير الاستجابة لشكاوى الصيادين”

من يتحمل المسؤولية؟

يلعب الانقسام السياسي والأمني في البلاد دورا أساسيا في عمليات نهب الثروة البحرية، إذ تعقد الأذرع العسكرية لحفتر منفردة اتفاقيات تسمح لبعض الدول بالصيد في مقابل المال، كما يقول مدير التعاون الدولي في وزارة الثروة البحرية.

وأبرمت هيئة الاستثمار العسكري (تتبع لحفتر)، اتفاقية مع الاتحاد الإيطالي لرياضة الصيد والأنشطة تحت الماء FIPS في مارس 2019، تسمح لعشرة قوارب بالصيد في مياه ليبيا الإقليمية لمدة خمس سنوات، في مقابل دفع مبلغ 100 ألف يورو شهريا، وقتها حاولت وزارة الخارجية والتعاون الدولي التابعة لحكومة الوفاق السابقة مواجهة الأمر عبر توجيه مذكرة إلى السلطات الإيطالية بواسطة سفارتها بطرابلس، وطالبتها في منتصف سبتمبر 2019، بالتدخل لوقف التعامل مع الأجسام غير الشرعية بالمنطقة الشرقية، ما يعد مخالفة للقرارات الدولية، والأموال التي تحصل عليها تلك الكيانات تعد تمويلا لجهات غير شرعية وانقلابا على الحكومة في ليبيا، ما جعل اتحاد صيد الأسماك في صقلية يعلق الاتفاقية.

بالإضافة إلى ما سبق، يفاقم غياب دور ‎الإدارة العامة لأمن السواحل الظاهرة، إذ لا توجد تدابير أمنية تحافظ على ثروات البلاد وتؤمن المياه الإقليمية بما يسمح للصيادين الليبيين بممارسة أعمالهم، بحسب دراسة “الاتجاهات الحديثة في الثروة السمكية الليبية”، وتفتقد وحدة خفر السواحل للتجهيزات الضرورية، مثل سفن الدورية المجهزة بأنظمة رادار قادرة على تغطية المناطق البحرية الواسعة للكشف عن تحركات السفن وتحديد مواقعها، إضافة إلى غياب الطائرات المسيرة التي توسع نطاق المراقبة دون الحاجة لإرسال سفن دورية، كما يقول الترجماني.

تدمير سبل عيش الصيادين

من بين عوامل تدمير الثروة السمكية الليبية لجوء الصيادين إلى استخدام المواد المتفجرة في عملهم، ويطلق عليها اسم “الجلاطينة” – TNT، والتي تقتل كل ما يوجد في المنطقة التي تستخدم فيها، وتفاقم الأمر الفوضى التي تعيشها الدولة وتنعكس على كل القطاعات بالتزامن مع غياب الرقابة الفعالة على المخالفين، بعدما كانت الجهات المعنية تحدد للصيادين أنواعا معينة من الشباك وكميات محددة يمكنهم صيدها في المواسم، وبالتالي يقوض نهب وتدمير الثروة السمكية الجهود الوطنية والإقليمية الرامية إلى الحفاظ على الأرصدة السمكية وإدارتها، ويدمر التنوع البيولوجي البحري والأمن الغذائي للمجتمعات التي تعتمد على موارد مصايد الأسماك وتأمين سبل عيش العاملين في القطاع، والذين يبلغ عددهم 4120 صياداً، 60% منهم عمالة وافدة من خارج ليبيا، لكن أغلبهم غادروا عقب أحداث ثورة 2011، وفق دراسة “الاتجاهات الحديثة في الثروة السمكية الليبية”، وهو ما يؤكده شعبان، الذي يشير إلى نقص ملحوظ في العمال المهرة بالقطاع الحيوي للأمن الغذائي.

ولا يجد من بقي مستمرا في عمله من الصيادين مردودا ماليا جيدا بسبب انخفاض كميات الأسماك في المناطق التي يعملون فيها، ومن بينهم عادل بن رمضان، الذي كان يحصل في مواسم الصيد الجيدة قبل 14 عاما على ما يصل إلى 500 كيلوغرام من الأسماك، توفر له دخلًا يصل إلى خمسة آلاف دينار ليبي (سعر الدولار وقتها 1.30 دينار ليبي)، وبعد تراجع الكميات لا يجد سوى 100 كيلوغرام يوميا، بالكاد تصل قيمتها إلى 2.000 دينار (410 دولارات).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى