الرئيسيةثقافة

تَأمُّل في محاضرة قيمة

* كتب/ يوسف الغزال،

كنتُ عقدت العزم على حضور محاضرة الدكتور “علي برهانة” بعنوان: “سيرة بني هلال.. النشأة، التطور، الوظيفة”. ولكن الظروف حالت دون سفري لطرابلس، ولهذا تابعت المحاضرة من مصراتة عبر صفحة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية.

عرفت الدكتور “برهانة في مناسبة علمية في بنغازي عام 2005م، في ندوة قام بتنظيمها الدكتور علي برهانة، ضمن نشاطه في مركز التراث الشعبي تحت عنوان (السرديات الشعبية بين الشفاهية والكتابية) وكنت قد قدمت ورقة بحثية في هذه الندوة، وتعرفت على كثير من رواة السيرة الهلالية، وتعرفت على الناقد المغربي المعروف “سعيد يقطين”، والصديق الجميل من هون “أحمد بركوس”. منذ تلك الفترة وأنا على تواصل مع الدكتور “علي برهانة”، فقد عرفت بأنني في حضرة باحث مهم، وقد تعلمت منه الكثير في مجال تخصصه، ولفت انتباهي لزوايا كنت لا أراها في الموروث الشعبي.

تابعت تسجيل المحاضرة، وكانت القاعة مزدحمة بالحضور، وبدأ الاستاذ “علي الهازل” بتقديم المحاضر بشكل مختصر، ثم تولى الدكتور “برهانة” تقديم محاضرته بتعريف مصطلحاته. تناول تعريف السيرة واستعرض أنواعها، وبعض الأسس المنهجية في كتابة السير الذاتية والغيرية، أو السير الشعبية التي تشكل ماهية التراث الشعبي، مثل تغريبة أولاد هلال، أو سيرة الزير سالم، أو تجريدة حبيب. ثم بدأ في الحديث عن نشأة السيرة الهلالية. وقارن بين السيرة المغاربية في ليبيا وتونس والجزائر. وبين السيرة المشارقية.

كنت سعيدا بسماع كثير من التفاصيل، المفاضلة بين الأدب المكتوب والأدب المسموع. قال المحاضر: الرواية المكتوبة نص ثابت، والرواية المسموعة نص متحول أو متحرك على لسان الراوي الشاعر، أو الشاعر الراوي، وأضاف بأن السير الشعبية ملك عام، كتبها مبدع مجهول، ونقدها مبدع مجهول، وهي بالتالي يمكن اعتبارها نتاج العقل الجمعي لهذه الأمة أو تلك، بالتالي السير الشعبية ملك عام، نحن نملكها كما كان القدماء يملكونها.

أكد المحاضر بأن النص الشفهي لا يقل قيمة عن النص المكتوب، ولا مجال للمفاضلة، فإن كل لغة فصحى موثقة ومقعدة كانت في الأصل لجهة عامية دارجة، تحكمها بعض القواعد الذوقية. القرآن الكريم لا يدخل تحت مصطلح اللغة الفصيحة، بل نزل بلهجة قريش، نقله لنا الرسول صـلى الله عليه وسلم على عدة (روايات) أو لهجات. ربما يصح القول بأن كل نص مكتوب كان في الأصل منطوقا. قصائد الشعر الجاهلي مثلا كانت روايات شفهية قبل أن تصبح نصوصا مكتوبة.

وإذا كانت الكتابة تعتبر توثيقا، تحفظ النص من الضياع والنسيان، فإن الرواية الشفهية تمنح النص إمكانية المواكبة لسنن التطور والتغير عبر الزمن.

ركّز المحاضر حول مسألة الإهمال المتعمد، وحالة التعالي التي يمارسها أساتذة الأدب الفصيح عن الأدب الشعبي. تناول المحاضر مسألة جهود اليونيسكو في تضمين مناهج التعليم الثقافة الشعبية والأدب الشعبي كمقدمة ضرورة لعلم الأنثروبولوجيا، وعندما يصبح الأدب الشعبي ضمن المناهج المدرسية والجامعية؛ فإنها بلا شك تعتبر نقلة نوعية في الفلسفة التربوية والسياسة التعليمة في بلادنا.

ويمكن القول بأن الدراسات العلمية ليست علمية لموضوعها، بل علمية بمنهجها، إن العلم منهج محايد يدرس موضوعاته، ليس وفق درجتها الأخلاقية أو مكانتها الاجتماعية، بل يدرس تكاثر الجراثيم بنفس منهج تكاثر الإنسان؛ لذا يجب الحد من سيطرة الثقافة الرسمية على الثقافة الشعبية، وثقافة النخبة على ثقافة العوام.

أذكر بعض الفقهاء ورجال الثقافة الرسمية سخروا جدًا من الأستاذ “علي المصراتي” عندنا شرع في جمع الأمثال الشعبية من أفواه العامة، واعتبروا ذلك إهانة صارخة للعلم والعلماء. أنصار الثقافة الرسمية يرون بأن ثقافة العوام لا يجوز النظر فيها، ولا يجوز مضيعة الوقت ولا جدوى من دراستها.

أكد المحاضر على أن “ابن خلدون” تناول الثقافة الشعبية ونوه لأهمية الشعر الشعبي في المقدمة، وكان يستشهد ببعض النصوص الشعرية؛ هذه ملاحظة جديرة بالاهتمام، بل يمكن اعتبار منهج كتابة المقدمة فيه من التلقائية في تناول الأفكار، وقراءة الأحداث وآليات تسلسلها بلغة سهلة غير معتادة عند المؤرخ التقليدي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى