اخباراقتصادالرئيسية

توقعات عالمية متشائمة لأسعار النفط.. هل تواجه دولٌ عربية كارثة مالية وشيكة؟

العربي الجديد-

في تطور ينذر بعواقب اقتصادية جسيمة، حذرت تقارير صادرة عن مؤسسات مالية وبحثية عالمية من اقتراب أسعار النفط من مستوى 50 دولاراً للبرميل، بل توقع بعضها أن تهبط إلى ما دونه خلال العام الجاري أو المقبل. وجاءت تلك التحذيرات بشكل متزامن من جهات ومؤسسات مرموقة مثل ستاندرد آند بورز وجي بي مورغان، ما يمنح هذه التوقعات وزناً استثنائياً في الأسواق>

غير أن التراجع المتوقع لا يعد مجرد تصحيح مؤقت للأسعار، بل قد يعكس تحولاً هيكلياً في سوق الطاقة العالمية. ويأتي هذا في وقت حرج للغاية للدول المنتجة، خصوصاً الدول العربية التي تعتمد بشكل رئيسي على العائدات النفطية لتمويل موازناتها. وبحسب مراقبين، فإن استمرار هذا التوجه قد يُفضي إلى اضطرابات مالية أوسع نطاقاً في المنطقة خلال 2025.

انهيار متوقع لأسعار النفط

حذرت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال، في تقرير لها الاثنين الماضي، من أن أسعار النفط قد تهبط إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل خلال النصف الثاني من العام، مع دخول كميات ضخمة من الإمدادات الجديدة من منظمة أوبك وحلفائها إلى السوق العالمية. وأوضحت الوكالة أن هذه الزيادة المرتقبة في المعروض، خصوصاً من روسيا وبعض دول الخليج، ستواجه طلباً ضعيفاً من آسيا وأوروبا، مما يدفع بالأسعار إلى مستويات الأربعينات. وأشارت إلى أن المعروض العالمي قد يزيد بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً، مقابل نمو طلب لا يتجاوز 390 ألف برميل يومياً، وهو ما يخلق حالة من التخمة التاريخية.

وقال نائب رئيس أبحاث النفط في ستاندرد آند بورز، جيم بوركهارد، بحسب مجلة بارونز (Barron’s)، إن “سعر النفط حالياً بلا دفاعات”، وإن السوق ستغرق إذا لم تتخذ إجراءات فورية لتعديل الإنتاج. وأضاف أن الأسعار قد تستقر في نطاق بين منتصف الستينات وحتى الأربعينات. ولفت إلى أن السوق بات يعاني خللاً هيكلياً بين العرض والطلب، مع غياب محفزات فورية لخفض الإنتاج أو استيعاب الفائض. وأضاف: “هذا السيناريو يكرر إلى حد كبير ظروف الانهيار النفطي في عام 2014، ما ينذر بصدمة مالية جديدة للدول المعتمدة على الإيرادات البترولية”.

وفي تقرير منفصل، رجحت ستاندرد آند بورز غلوبال أن يكون إنتاج النفط الأميركي هو الأكثر تأثراً بالهبوط المتوقع في الأسعار، نظراً إلى طبيعة الإنتاج الصخري الذي يتأثر بسرعة بأي تراجع سعري. وتوقعت الوكالة أن يبلغ متوسط الإنتاج الأميركي في 2025 نحو 13.34 مليون برميل يومياً، وهو أقل بـ122 ألف برميل من التقديرات السابقة، فيما سيتراجع إلى 12.96 مليون برميل في 2026، بانخفاض سنوي يعد الأول منذ أكثر من عقد. وأكد جيم بوركهارد أن “التباطؤ في إنتاج النفط الأميركي قد يُغير نفسية السوق على المدى المتوسط”، لكنه شدد على أن مستقبل الأسعار سيظل رهينة قرارات أوبك+.

غموض جيوسياسي يعزز تقلبات سوق النفط

وتوقعت وكالة معلومات الطاقة الأميركية، في تقريرها الدوري الصادر في 10 يونيو الجاري، استمرار تراجع أسعار النفط الخام حتى نهاية عام 2026، نتيجة تباطؤ نمو الطلب العالمي وتزايد الإمدادات، خصوصاً من تحالف “أوبك+” ودول غير أعضاء. ووفق التقرير، فإن متوسط سعر خام برنت سيبلغ 66 دولاراً للبرميل بحلول نهاية 2025، ثم ينخفض إلى 59.24 دولاراً في 2026، بينما يتوقع أن يسجل خام غرب تكساس الوسيط متوسطاً يبلغ 62.33 دولاراً في 2025، ثم يهبط إلى 55.58 دولاراً في 2026. وترجح الوكالة أن يؤدي هذا الخلل بين العرض والطلب إلى تراكم المخزونات العالمية بمعدل 0.8 مليون برميل يومياً في 2025، أي أكثر بـ0.4 مليون من توقعات مايو السابق، مما يفاقم الضغوط الهبوطية على الأسعار.

 

وأشار التقرير إلى أن الإنتاج الأميركي بلغ ذروته عند 13.5 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من 2025، لكنه مرشح للتراجع إلى 13.3 مليون برميل يومياً بحلول الربع الأخير من 2026، بسبب خفض النفقات التشغيلية لشركات النفط الأميركية. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة Occidental Petroleum في 8 مايو الماضي عن تقليص نفقاتها الرأسمالية المحلية بـ150 مليون دولار، نتيجة البيئة السعرية غير المستقرة. وأكد التقرير أن ضعف الإنفاق الاستثماري بدأ يظهر في تراجع عدد الحفارات في حوض برميان الأميركي إلى أدنى مستوياته منذ 2021.

ونبّه التقرير إلى أن “الغموض الجيوسياسي” يظل عاملاً حاسماً في تقلبات السوق، مشيرة إلى تأثير حرائق الغابات في كندا، وتطورات الحرب في أوكرانيا، واحتمالات إعلان القوة القاهرة على صادرات ليبيا، والتقلب المتوقع في سياسات العقوبات الأميركية تجاه روسيا، إيران، وفنزويلا. كما رصدت الوكالة الشكوك حول قدرة أعضاء أوبك+ على التنسيق مستقبلاً في حال استمرار هبوط الأسعار وارتفاع المعروض من خارج التحالف.

ركود عالمي محتمل

وفي 14 إبريل 2025، خفض بنك جي بي مورغان (JPMorgan) توقعاته بشكل لافت توقعاته لأسعار النفط خلال العامين القادمين مشيراً إلى أن السوق يواجه ضغطاً مزدوجاً من ارتفاع إنتاج تحالف أوبك+ وضعف الطلب العالمي، خاصة من الصين وأوروبا. وبحسب رويترز، خفض البنك توقعاته لسعر خام برنت في 2025 إلى 66 دولاراً للبرميل بدلاً من 73 دولاراً، وتقدير عام 2026 إلى 58 دولاراً بدلاً من 61 دولاراً. كما خفض تقديراته لخام غرب تكساس الوسيط إلى 62 دولاراً في 2025 و53 دولاراً في 2026، بعدما كانت التوقعات السابقة تشير إلى 69 و57 دولاراً على التوالي.

وأرجع البنك هذه التخفيضات إلى توقعات بارتفاع إنتاج أوبك+ مقابل تباطؤ اقتصادي عالمي، مشيرا إلى أن السوق تتجه نحو “فائض هيكلي يصعب امتصاصه”، مضيفاً: “زيادة الإنتاج تفوق مستويات الاستهلاك المتوقعة، مما يضعف قدرة السوق على امتصاص الفائض”. كما توقعت مذكرة البنك احتمال ركود عالمي بنسبة تصل إلى 80%، مما سيضغط أكثر على الأسعار، ويضعف قدرة السوق على امتصاص الفائض، ويجعل من سيناريو انخفاض الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً أمراً مرجحاً خلال 2025.

وتعكس مجمل التوقعات أن سوق النفط لم يعد يتحرك فقط بعوامل العرض والطلب، بل أضحى رهيناً لتركيبة معقدة من الإنتاج المفرط، والتباطؤ الاقتصادي، والمناخ السياسي العالمي. وإذا ما تحققت السيناريوهات الأكثر تشاؤماً، فقد تشهد أسعار النفط تراجعاً إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل لفترة مؤقتة. وفي المقابل، يمثل ذلك إنذاراً استراتيجياً للدول المنتجة بضرورة إعادة هندسة موازناتها وتوسيع قنوات تنويع الاقتصاد قبل أن تدخل المنطقة في حلقة جديدة من الأزمات المالية المزمنة.

هل تواجه دول عربية كارثة مالية وشيكة؟

وتُظهر تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2025 أن سعر التوازن المالي في بعض الدول العربية النفطية يتجاوز بكثير مستويات 50 دولاراً للبرميل. فالعراق يحتاج إلى نحو 92.4 دولاراً، الجزائر إلى 119 دولاراً، والسعودية إلى 90.9 دولاراً لتحقيق التوازن في الموازنة العامة. وإضافة إلى ذلك، تحتاج الكويت إلى حوالي 81.8 دولاراً، والإمارات إلى حد عند 49.95 دولاراً. وإذا ما استقرت الأسعار بين 55 و66 دولاراً خلال 2025 – 2026 مع مخاطر جدية بهبوطها إلى ما دون 50 دولاراً، كما تشير التوقعات الحديثة من وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال ووكالة معلومات الطاقة الأميركية، وبنك جبي بي مورغان، فستواجه هذه الدول فجوة مالية كبيرة.

والفارق الحاد بين سعر التوازن المالي وسعر السوق المتوقع يعني أن الموازنات العامة لعدد من الدول العربية المصدرة للنفط ستدخل في دوامة من العجز المزمن، وقد تضطر الدول إلى اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، أو السحب من الاحتياطيات السيادية، كما فعلت السعودية خلال جائحة كورونا. وفي ظل ذلك، تواجه بعض الدول العربية ذات الهياكل الاقتصادية الريعية –كالجزائر والعراق– خطر الدخول في أزمة مالية شاملة. أما الدول ذات الاحتياطات المالية الضخمة مثل السعودية والإمارات، فهي تملك مساحة من المناورة، لكنها ستُجبر على إبطاء خطط التحول الاقتصادي أو تأجيل مشاريع “رؤية 2030” على سبيل المثال. ويمكن القول، وفقاً للمعطيات الحالية، إن بعض الدول المصدرة للنفط في العالم العربي باتت بالفعل تقف على عتبة كارثة مالية وشيكة إذا ما ثبتت هذه التوقعات المتشائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى