العربي الجديد-
تجلت ظاهرة “تمدد الكاش”، خلال الفترة الأخيرة، في ليبيا إذ يتزايد المعروض النقدي دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على الاقتصاد المحلي وحياة المواطنين.
وتتوسع السيولة في السوق بعيداً عن القنوات الرسمية، ما يؤدي إلى ازدهار اقتصاد الظل، وتفشي التعاملات غير الرسمية، في ظل فقدان الثقة بالمصارف والسياسات النقدية.
في هذا السياق، يقول المحلل المالي عبد الحكيم عامر غيث لـ”العربي الجديد” إن “أزمة السيولة عرض لمرض أعمق يحتاج للعلاج، ويعبر عن فشل السياسة النقدية على مدى سنوات”.
ويرى أن “كل محاولات حل أزمة السيولة عبر إصدار عملة جديدة، أو إلغاء فئة معينة مؤقتاً، لن تكون إلا حلولا مؤقتة، سرعان ما تعيد الأزمة إلى الواجهة بصورة أشد”.
ويوضح غيث أن “تمدد الكاش يعني زيادة المعروض النقدي في الاقتصاد، نتيجة لسياسات نقدية توسعية من البنك المركزي، ولكن في الحالة الليبية لم تُترجم هذه السيولة إلى فوائد ملموسة”.
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي طارق الصرماني أن “ليبيا تعيش في بيئة اقتصادية غير مستقرة، حيث تراجعت ثقة المستثمرين، ما يبقى السيولة النقدية راكدة”. وأضاف الصرماني في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “الوضع بحاجة إلى استراتيجيات جديدة لتحفيز الثقة وجذب الاستثمارات”.
وأشار إلى أن “ارتفاع معدلات التضخم يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، فوجود السيولة وحدها لا يكفي، لأن قيمتها تتناقص تدريجياً، مما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين”. ويؤكد أن “تمدد الكاش يساهم في تفشي الاقتصاد الموازي، حيث يعتمد المواطنون على الأنشطة غير الرسمية. وإذا لم تعمل الحكومة على تنظيم السوق وتوجيه السيولة نحو الاستثمار المنتج، فإن الاقتصاد سيبقى في حالة ركود، حسب المحلل الاقتصادي
ووفقاً لتقديرات رسمية، بلغ حجم العملة المتداولة خارج القطاع المصرفي حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري نحو 44.4 مليار دينار (دون احتساب العملة المطبوعة في روسيا التي تقدر بـ23 مليار دينار). ويعزو الكثير من الليبيين هذا التوجه إلى تراجع الثقة بقدرة المصارف على توفير السيولة النقدية، فضلاً عن الهشاشة الأمنية، ما يدفعهم للاحتفاظ بأموالهم في المنازل بدلاً من إيداعها في المصارف.
وتواجه ليبيا تحديات عديدة بسبب توسع اقتصاد الظل، حيث يُعتبر هذا الاقتصاد نتاجاً للانهيار المؤسساتي والسياسات الحكومية غير الفعّالة. ووفقاً لتقديرات محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق الصديق الكبير، فإن نحو 60% من الأنشطة الاقتصادية تعمل خارج إطار القانون، بينما يشير مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية إلى أن النسبة قد تصل إلى 80%، وفقاً لدراسات غير رسمية.
اقتصاد الظل في ليبيا
ويشمل اقتصاد الظل الأنشطة التي تُمارس خارج نطاق الرقابة القانونية والإدارية للدولة، مثل المحلات غير المرخصة، والعمالة غير الرسمية، والتجارة غير الخاضعة للضرائب أو التنظيمات الحكومية.
يقول أحد المواطنين البالغ من العمر 25 عاماً، يزيد القاضي، إن “السيولة غير متوفرة في المصارف، لكنها موجودة بشكل كبير في السوق الموازي، حيث يمكن الحصول على أي مبلغ مالي دون ضوابط”. وأضاف أن “المواطن يلجأ إلى السوق للحصول على العملة أو تحويل الأموال بدلاً من المصارف، التي ما زالت تعمل بآليات تقليدية”.
وأعلن مصرف ليبيا المركزي عزمه ضخ 15 مليار دينار في السوق، اعتباراً من الثالث من نوفمبر المقبل، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً؛ حيث يرى البعض أنها قد تحل أزمة السيولة، فيما يحذر آخرون من تأثيرها المحتمل على التضخم. جاءت هذه الخطوة على خلفية معاناة المواطنين في الوصول إلى أموالهم المودعة في المصارف، ما دفع الكثيرين للاحتفاظ بالنقد خارج النظام المصرفي.