عربي 21-
ترزح ليبيا تحت وطأة أعمال تهريب الذهب وتزوير العملات بكيمات كبيرة، حيث كشف تقرير نشرته صحيفة “موند أفريك” الفرنسية عن تفشي النهب وتزايد تداول العملات المزيفة في البلاد، الأمر الذي يلقي بظلاله بشكل سلبي على الاستقرار النقدي، فضلا عن مساهمته في تغذية المليشيات المختلفة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إنه منذ سقوط القذافي في سنة 2011، اشتبكت قوتان بلا هوادة، وهما حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس وميليشيات حفتر المتمركز في بنغازي.
وأضافت أنه على الرغم من عملية السلام الطويلة، التي بدأت من خلال ماراثون من مؤتمرات المصالحة، فإن الأسلحة لم تتوقف أبدا عن اكتساب اليد العليا، حيث يتم دعم الطرفين من قبل الجهات الراعية لكل منهما، وهما تركيا وقطر لحكومة الوفاق الوطني، الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية للجيش الوطني الليبي.
وأشارت إلى أن المليشيات الخارجة عن السيطرة تقوم بتوفير الأسلحة والذهب والعملات المزيفة في الأسواق الموازية
وأوضحت أنه تم تفكيك شبكة تجارة واسعة لتهريب الذهب في مدينة مصراتة وينظم هذه العملية مسؤولون رفيعو المستوى من جمارك المطار الدولي للمدينة الواقعة على بعد مئتي كيلومتر من طرابلس. وعلى خلفية ذلك، أمر النائب العام بالقبض على مدير عام الجمارك نظرا لخطورة القضية.
واستهدفت العملية تهريب نحو 25875 كيلوغراما من الذهب بقيمة تقارب 1.8 مليار يورو، وفقا لسعر السوق الحالي، على شكل سبائك. ووفقا للتشريعات الليبية في هذا المجال، فإن مصرف ليبيا المركزي هو الجهة الوحيدة المخولة بنقل الذهب خارج البلاد، وفقا للتقرير.
وأوردت الصحيفة أن مصراتة هي ثالث أكبر مدينة في البلاد بعد طرابلس وبنغازي. وقد تطوّرت المدينة بفضل التجارة الإقليمية،
وقبل وقت طويل من اعتقال ضباط جمارك مصراتة، ندّدت منظمة “سينتري” الأمريكية غير الحكومية بتهريب الذهب، حيث تلعب مدينة مصراتة دور منطقة العبور لتهريب الذهب إلى تركيا والإمارات. وتكشف المنظمة المتخصصة في التحقيق في الشبكات متعددة الجنسيات التي تستفيد من الصراعات العنيفة والقمع والكليبتوقراطية عن خريطة للتهريب. وتشير إلى وجود منافسة على تهريب الذهب بين موانئ ومطارات مدن مصراتة وزليتن والخمس التابعة لحكومة طرابلس وميناء ومطار بنغازي الخاضع لسيطرة جيش حفتر، حسب التقرير.
وتتهم المنظمة غير الحكومية الكيانين بالسيطرة على تهريب الذهب من منطقة الساحل من أجل تمويل استمرار الحرب. والغريب أن الذهب يتم نقله إلى الدولتين (تركيا والإمارات) الداعمتين لحكومة الوفاق الوطني وحفتر اللذين يتقاسمان ثروات البلاد.
سلاح العملات المزورة
ذكرت الصحيفة أن جميع التحركات مسموحة، مهما كان الضرر الذي لحق بدولة تعاني من ضعف في التكوين. وبالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي أصبح علامة مميزة للبلاد منذ سنة 2011، تقوم ليبيا بعمليات تهريب بجميع أنواعه، من الاتجار بالبشر إلى أوروبا، وتهريب الأسلحة إلى منطقة الساحل، ولكن أيضا تهريب العملة داخل البلاد.
وكشف مصرف ليبيا المركزي، الذي يقع مقره في طرابلس والتابع لحكومة الوفاق الوطني، نهاية أبريل عن وجود عمليّة جارية لزعزعة الاستقرار المالي. لقد غُمر سوق المال بالأوراق النقدية المزورة من فئة 50 دينارا (ما يعادل 10 دولارات). وسحبت وزارة المالية النسختين من هذه الأوراق النقدية من السوق النقدي للبلاد ودعت الليبيين إلى إيداع الأوراق النقدية المتأثرة في المؤسسات المصرفية.
ومن جانبها، لم تتأخر الصحافة الطرابلسية في تحديد المذنب، وأشارت إلى وجود مزرعة في ضواحي بنغازي تسيطر عليها ميليشيات فاغنر الروسية (تسمى الفيلق الأفريقي)، التي تعد بمثابة دعم عسكري للجيش الوطني الليبي التابع للمشير حفتر. ومنذ فشله في الاستيلاء على طرابلس سنة 2019، وخسارة 9 مدن كبرى في 24 ساعة، دخل المشير في أزمة مالية مع ميليشيا فاغنر الروسية.
كما طالبت منظمة بريغوجين بدفع أرصدة موظفيها البالغة 150 مليون دولار. ومنذ آب/أغسطس 2023، تحسنت العلاقات بين السلطتين العسكريتين العنيدتين. ولم تجد أزمة حفتر والميليشيات الروسية حلا إلا بزيارة نائب وزير الدفاع الروسي إنغوش يونس بك يفكوروف إلى بنغازي فقط. ويبدو أن إعادة هيكلة ميليشيا فاغنر، من خلال دمج عملياتها ضمن الجيش النظامي، بعد اختفاء مؤسسها يفغيني بريغوجين، قد سهّلت المصالحة، وفقا للتقرير.
زعزعة الاستقرار النقدي
أوضح التقرير أنه خلال شهر سبتمبر 2019، بعد خمسة أشهر من فشلها في الاستيلاء على طرابلس، اعترضت البحرية المالطية سفينة تحمل شحنة من النقد بالدينار الليبي مطبوعة في روسيا متجهة إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا الذي يسيطر عليه جيش حفتر. وذكرت وكالة رويترز أن “أكثر من 4.5 مليار دينار كانت قيمة الأوراق النقدية المزورة التي تم ضبطها”.
وسبق أن كشفت صحيفة “ليبيا هيرالد” في صيف 2016 عن وجود أوراق نقدية مزورة في السوق النقدية الليبية دون تسمية المسؤول عن التزييف. وجاء خبراء من الشركة البريطانية المسؤولة عن إصدار الدينار الشرعي لفحص مدى التزوير. وتشتبه حكومة طرابلس في أن شركة جوسناك، وهي شركة روسية مملوكة للدولة، كانت وراء مناورة إغراق السوق النقدية في سنتي 2019 و2020، مباشرة بعد فشل جيش حفتر في الاستيلاء على طرابلس.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه بين سنتي 2015 و2020، طبع الروس ما يقارب 12 مليار دينار في ليبيا. وتم استخدام النقود المزورة كرواتب لمليشيات برقة المختلفة، ما تسبب في تضخم متسارع. وتهدف هذه الخطوة إلى دفع قيمة الدينار الليبي الصادر عن بنك ليبيا المركزي التابع للحكومة الرسمية إلى الانخفاض.