العربي الجديد-
كشفت مصادر ليبية رفيعة المستوى لـ”العربي الجديد”، أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح طرح مبادرة سياسية جديدة، تقوم على تشكيل مجلس رئاسي جديد برئاسته، وعضوية رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عن غرب البلاد، فيما يتم اختيار شخصية ممثلة لجنوب البلاد عضوا بالمجلس.
وحسب المصادر البرلمانية التي فضلت عدم نشر هويتها، فإن مبادرة صالح تقترح التوافق على موعد جديد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفق إطار دستوري خال من أي شروط للترشح للانتخابات، فيما سيتولى المجلس السياسي الجديد قيادة المشهد خلال فترة الإعداد للانتخابات.
وتعيش ليبيا حالة انسداد سياسي بعد فشل قادتها في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر الماضي، ازدادت حدتها بعد تكليف مجلس النواب حكومة برئاسة فتحي باشاغا، الذي دخل في صراع مع حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بسبب رفض الأخير تسليم السلطة إلا لسلطة منتخبة، وتصاعد الصراع لحد الصدام المسلح في العاصمة طرابلس.
وفي التفاصيل، أوضحت المصادر نفسها أن صالح اقترح تقديم إجراء الانتخابات البرلمانية على الرئاسية مع استبعاد كافة شروط الترشح للانتخابات الرئاسية من مسودة الدستور، بما فيها ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والاستفتاء عليه قبل إجراء الانتخابات البرلمانية.
كما تضمن مقترح عقيلة تكليف فتحي باشاغا بإعادة النظر في حكومته الحالية، وتقليص عدد وزاراتها، لتتولى الجانب التنفيذي في مرحلة الإعداد للانتخابات.
وبحسب المصادر، فإن صالح أطلع مسؤولي عدد من العواصم الإقليمية التي زارها أخيرا على مبادرته، مؤكدة أن الاختلاف بشأنها لا يزال قائما في المشهدين المحلي والإقليمي.
وفيما أكد مصدر ثانٍ، وهو برلماني من مجلس النواب، أن مقترح عقيلة لم يلق ترحيبا لدى بعض العواصم الإقليمية التي زارها وقدم فيها مبادرته، بسبب وجود رؤى أخرى بعضها يشدد على ضرورة حل الخلاف الحكومي القائم دون المساس بالأجسام السياسية الأخرى حتى وصول البلاد إلى مرحلة الانتخابات.
في المقابل، كشف مصدر حكومي رفيع مقرب من حكومة الوحدة الوطنية لـ”العربي الجديد”، اعتراض الدبيبة على استبعاده، وإمكانية قبوله بمقترح المبادرة إذا تم تكليفه برئاسة الحكومة المسيرة لمرحلة التمهيد للانتخابات.
ووفقا لذات المصادر الحكومية، والتي فضلت عدم نشر هويتها، فإن المشري دفع بنائب رئيس المجلس الرئاسي الحالي، عبد الله اللافي، في أكثر من مناسبة لتولي رئاسة حكومة ثالثة واستبعاد الحكومتين الحاليتين؛ حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب.
ولا يبدو التوافق كاملا بين صالح والمشري حول مضمون المبادرة، ففيما سرب صالح جزءا منها، أثناء كلمته الافتتاحية لجلسة مجلس النواب الخميس الماضي، قائلا: “توصلنا إلى اتفاق مع السيد خالد المشري على أن يتم استبعاد كافة شروط الترشح للرئاسة، ويستثنى من الاستبعاد البند الخاص بأن يكون المرشح ليبيًا من أبوين ليبيين، وهو شرط ينطبق بالفعل على جميع المرشحين، ولا مشكلة بشأنه”، ظهر المشري بالتزامن مع اجتماع برئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، في طرابلس.
واتهم صالح، في الكلمة نفسها، المجلس الرئاسي الحالي بالانحياز لحكومة الوحدة الوطنية، مؤكدًا عدم أحقيته في إصدار قاعدة دستورية للانتخابات، ردًّا على تصريحات للمنفي، أثناء لقائه فعاليات اجتماعية من شرق البلاد الأسبوع قبل الماضي، ولوح خلالها بإمكانية تدخل المجلس الرئاسي لإنتاج قاعدة دستورية.
ووفقا للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، فإن المنفي والمشري ناقشا، الخميس، “تطورات المشهد السياسي والأمني داخل البلاد، والإسراع في إكمال القاعدة الدستورية، وسُبل التسريع بإجراء الانتخابات وتذليل الصعوبات والعراقيل”. ويبدو أن اقتراح صالح استبعاد كافة شروط الترشح للانتخابات، وضرورة تضمينها في الدستور والاستفتاء عليه، خطوة لضمان انخراط خليفة حفتر في أي انتخابات رئاسية يتم التوافق على موعد جديد لها.
خلاف حول الإطار الدستوري المنظم للانتخابات
وبغض النظر عن استبعاد شروط الترشح أو الإبقاء عليها، يدور خلاف بين مجلسي النواب والدولة حول شكل الإطار الدستوري المنظم للانتخابات، ففيما يصر صالح على أن يكون الإطار هو مشروع الدستور، يصر المشري على أن يكون قاعدة دستورية مؤقتة ويؤجل الاستفتاء على الدستور والنظر فيه إلى المجلس التشريعي المقبل.
ولم يصدر حتى الآن أي تعليق من جانب المجلس الرئاسي ولا حكومتي الدبيبة وباشاغا، على تصريحات صالح، وكذلك المجلس الأعلى للدولة.
ويبدي عضو مجلس الدولة، إدريس أبوفايد، استغرابه “عدم تعليق المشري” على تصريحات صالح، مشيرا إلى أن تصريحات صالح تزامنت مع اجتماع عقده المشري مع رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، “دون أن يتطرقا فيه لتصريحات صالح”.
وأكد أبوفايد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن غالبية أعضاء المجلس الأعلى للدولة عازمون على “رفض ما جاء على لسان صالح بخصوص شروط الترشح”، وذلك في حال عقد جلسة رسمية، كما طالب أبوفايد بأن يقدم المشري “إحاطة أمام المجلس، لفهم ما يجري”.
وعقب قائلا: “الأعضاء غير مقتنعين بكلام عقيلة، ولا يصدقون أن يصل المشري لهذه الدرجة، وهناك من الأعضاء من يعتقدون بأن المشري يسعى للوصول ربما لتوافق مع صالح، خاصة في ظل ربط إجراء الانتخابات التشريعية فقط مع تشكيل مجلس رئاسي يرأسه صالح، لطموحات شخصية على ما يبدو، وفي المقابل، هناك أقاويل لم نتأكد من صحتها بعد تشير لتراجع صالح عن تصريحه”.
ويستبعد أبوفايد إجراء الانتخابات التشريعية أولا، رغم تأكيده على مطالبة التيار المدني والنشطاء وحتى بعض الأحزاب ونسبة من أعضاء مجلس الدولة بانتخابات برلمانية مرحليا، وحسب تحليله للمشهد، فإن “لدى المجتمع الدولي والبعثة الأممية رأياً آخر، يصرون فيه على تزامن الانتخابات البرلمانية والرئاسية”، مشيرا لإقناعهم رئيس المجلس الرئاسي بذلك.
ويستطرد أبوفايد: “أعتقد أن مطالبة الولايات المتحدة بتزامن الانتخابات ترجع لرغبتها في وجود رئيس منتخب بشكل مباشر من الشعب، يكون لديه من القوة والمنعة ما يكفي لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وخاصة مرتزقة فاغنر، ويستطيع في سبيل ذلك الاستعانة ببعض الدول، وتوقيع اتفاقيات أو إلغاء اتفاقات مبرمة، ولهذا، ومن الناحية العملية، من المستبعد إجراء الانتخابات البرلمانية فقط، مع أن لدى هذا الخيار رصيدا شعبيا كبيرا يرى فيه الحل للانسداد السياسي الحالي”.
وفي السياق، يستبعد عضو مجلس النواب، خير الله التركاوي، “تنفيذ ما قاله صالح”، ويقول لـ”العربي الجديد”: “ما يفعله صالح نوع من المراوغة، والأمر خارج سيطرة الجميع، فلا أحد من الليبيين يستطيع فعل شيء، والبلاد فعلا مرهونة، ويتم تحريكها من الخارج، منذ عام 2011”.
من جهة أخرى، يقول عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة، إن المفهوم مما ذكره صالح، أنه “توصل لتوافق مع المشري خلال لقاءاتهما الأخيرة بشأن نتائج حوار لجنتي مجلس النواب والدولة حول النقطة الخلافية التي برزت خلال لقاء عقيلة المشري في جنيف سابقا برعاية أممية”.
ويفسر أوحيدة مقصد عقيلة بالقول: “يبدو أن المشري اقتنع بوجهة نظر عقيلة حول عدم وضع أي شروط على ترشح أي ليبي مبدئيا، باستثناء أن يكون من أبوين ليبيين، وفي حالة فوزه في الانتخابات رئاسية كانت أو برلمانية يشترط تنازله عن الجنسية الأخرى أو صفته العسكرية، قبل تمكينه من المنصب الجديد”. ولا يعول أوحيدة على تنفيذ هذا الاتفاق، قائلا: “المشري كعادته يتنصل دائما من أي التزامات يكتشف أنها لا تتوافق مع توجهه أو لا يرضى عنها حلفاؤه في الداخل أو الخارج، وبذلك فلا يعول كثيرا على هذا القول بحسب التجارب السابقة”.