العربي الجديد-
تأجل افتتاح منفذ رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس للمرة الثالثة على الرغم من إعلان حكومة الوحدة الوطنية عن عزمها افتتاحه رسميا يوم الاثنين الماضي (24 يونيو 2024م).
وأصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الاثنين، تعليماته بـ “ضرورة فتح الطريق الساحلي الرابط بين زوارة الحدودية ومنفذ رأس جدير واستكمال إجراءات افتتاح المنفذ وفق خطة الحكومة التنظيمية، وتنفيذ الاتفاق الموقع بين وزيري الداخلية الليبي، عماد الطرابلسي، والتونسي كمال الفقي”.
وأكد الدبيبة، بحسب ما نشرت منصة حكومتنا، أن تنظيم منفذ رأس جدير خطوة ضرورية ليقدم خدماته لكل الليبيين “بعد استكمال أعمال الصيانة والتطوير التي قامت بها الحكومة”. وجاء إعلان الدبيبة عن تعليماته بعد إعلان سابق لوزارة الداخلية بحكومته عن عزمها افتتاح المنفذ بشكل كامل صباح الاثنين، ودعت كافة وسائل الإعلام المحلية والدولية للحضور لتغطية الحدث، لكن أهالٍ من مدينة زوارة المحاذية للمنفذ أعلنوا عن تنظيم احتجاجات بالمنطقة وأغلقوا الطريق الساحلي الرابط بين زوارة والمنفذ ما عرقل إعادة افتتاحه.
ومساء الاثنين استقبل الدبيبة بمكتبه الحكومي في طرابلس وفدا من مدينة زوارة من ممثلي المجلس البلدي ومجلس الحكماء والنشطاء المدنيين لمناقشة عدد من القضايا الخدمية بزوارة، وأوضاع منفذ رأس جدير الحدودي. وأعاد المحتجون فتح الطريق الساحلي الرابط بين زوارة ومنفذ رأس جدير ظهر الثلاثاء، بحسب أشرف حواس أحد النشطاء المدنيين بزوارة، الذي قال لـ”العربي الجديد” إن إعادة فتح الطريق الساحلي جاءت بعد تعهدات من الحكومة بتوفير كافة مطالب أهالي زوارة المتعلقة بالوضع الخدمي، وأنهم في انتظار زيارة وفد حكومي للاطلاع على الوضع الخدمي والإنساني بالمدينة. وأوضح حواس أن إعادة فتح الطريق الساحلي ستسمح بمرور الحالات الإنسانية المرتبطة بالحالات الاستعجالية الصحية فقط، مؤكدا استمرار غلق المنفذ حتى تحقيق مطالب أهالي زوارة.
وذكر حواس أن اجتماع مسؤولي زوارة مع الدبيبة ناقش الوضع الخدمي وطالب بضرورة استكمال المشاريع الضرورية كالمستشفى ومحطة تحلية المياه وغيرها مما يتصل بحياة المواطن، لافتا إلى أن الاجتماع ناقش أيضا إبطال قرارات أصدرها وزير الداخلية بالحكومة عماد الطرابلسي، بشأن نقل أبناء زوارة من الضباط والعسكريين العاملين في إدارة منفذ رأس جدير إلى مجالات وأعمال أخرى.
وبعد إعلان الجانبين الليبي والتونسي توقيع اتفاق مشترك، أعلنت وزارة الداخلية الليبية إعادة فتح منفذ رأس جدير الحدودي يوم 12 يونيو الجاري جزئياً أمام الحالات الإنسانية والمستعجلة والطارئة والدبلوماسية ويكون الافتتاح الكلي في الـ20 من الشهر نفسه، قبل أن يؤجَّل الموعد إلى يوم الاثنين، لكن الإعلان الثالث تعذر أيضا.
وأغلق منفذ رأس جدير الحكومي من جانب سلطات حكومة الوحدة الوطنية منذ 19 مارس الماضي، عقب توتر أمني كبير بين قوات الحكومة وافراد المجموعات المسلحة بمدينة زوارة التي تسيطر وتسيّر المنفذ منذ سنوات، حيث رفضت المجموعات قرارات وزارة الداخلية تسليم المنفذ وطالبت بضرورة مشاركتها في تسيير المنفذ في حين شددت الوزارة على أن المنفذ “لا بد أن يعمل تحت سلطة وشرعية الدولة”، واتهمت المسلحين المسيطرين على المنفذ بأنهم “مجموعة خارجة عن القانون”.
وجاءت خطوة وزارة الداخلية بالحكومة في طرابلس في اتجاه السيطرة على منفذ رأس جدير الحدودي ضمن مساعيها للسيطرة على الحدود الغربية بهدف إنهاء مظاهر الانفلات الأمني، خاصة أنشطة تهريب الوقود والبشر عبر الحدود التي تتورط فيها العديد من المجاميع المسلحة المنتشرة بغرب البلاد.
“طريقة معالجة وضع منفذ رأس جدير عقدت الأوضاع“
ورغم أهمية الخطوة، إلا أن المهتم بالشأن السياسي عيسى همومه يرى أن “طريقة معالجة الحكومة للوضع في المنفذ الحدودي زادت تعقيد الأوضاع، وأظهرتها في مظهر العاجز عن السيطرة وبسط نفوذها، ففي كل مرة تعلن عن افتتاح المنفذ ثم تتراجع عن ذلك”، مشيرا إلى أن الحكومة اتجهت إلى استخدام العنف من البداية، عندما استخدمت الطيران المسلح لقصف أوكار التهريب، منتصف العام الماضي في تلك المناطق التي تعج بالتناقضات الاجتماعية والسياسية وفوضى السلاح.
ويلفت همومه في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن تصاعد التوتر في مناطق غرب البلاد يتعلق بجملة من الخلفيات والأسباب، بعضها له صلة بمصالح المجموعات المسلّحة في تلك المناطق المرتبطة بأنشطة تهريب الوقود والبشر، وبعضها بخلفيات خلافات تاريخية قبلية بين المناطق، مضيفا أن “السلاح والقوى الاجتماعية في مناطق غرب ليبيا أيضا تعيش انقساما بين تأييد الحكومة ومعارضتها، ومنطق القوة الذي تحدثت به الحكومة أوصلها إلى العجز والفشل الحالي”.
واستبعد همومه الوصول إلى اتفاق لإعادة فتح المنفذ “في المستقبل القريب، إلا إذا خضعت الحكومة لإملاءات القوى المناطقية في زوارة التي تستخدم خطاب نقص الخدمات وتوقف المشاريع غطاء لاستمرار سيطرتها على المنفذ وتحقيق مصالحها الخاصة، وأعتقد أن هذا ما شعر به الدبيبة الذي لم تحمل تعليماته التي أصدرها ليل البارحة أي تحديد جديد لموعد افتتاح المنفذ”.
وفي بيان مرئي متداول، اتهم المحتجون بمدينة زوارة بعض المؤسسات بحكومة الوحدة الوطنية بالطائفية والعنصرية، وهددوا بإلغاء اعترافهم بالحكومة بالتنسيق مع المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، والمجالس البلدية الأمازيغية.
وسبق أن اتهم أهالي زوارة وزير الداخلية عماد الطرابلسي بالجهوية والعنصرية على خلفية انحداره من مناطق بغرب ليبيا لها خلافات تاريخية مع أمازيغ ليبيا الذين يعد أهالي زوارة جزءاً منهم. ومما زاد حجم التعقيد تدوينة نشرتها الأحد (23 يونيو) الهيئة العامة للأوقاف التابعة للحكومة في طرابلس، التي يسيطر عليها المداخلة الإسلاميين، على منصاتها الإلكترونية، وانتقدت فيها المذهب الإباضي الذي يعتنقه الأمازيغ، وهو ما لقي استنكارا واسعا في أوساط سكان زوارة، بل في وسط العديد من النشطاء والمهتمين والمثقفين الليبيين الذين اعتبروه وجها من خطابات الكراهية، التي تعقد الأوضاع خاصة في توقيته الذي يتزامن مع التوتر الحاصل بين الحكومة وأهالي زوارة.
ويرى همومه أن فشل الحكومة في بسط نفوذها وفرض قراراتها، سيؤثر بشكل كبير على علاقاتها الثنائية مع تونس، وعلى مستقبلها السياسي أيضا بسبب تراجع الثقة فيها في الداخل والخارج، مضيفا: “لكن قبل كل ذلك، سيسلط هذا الحدث الضوء ويلفت انتباه الموقف الدولي والإقليمي نحو نفوذ المجموعات المسلحة وضرورة تحجيمها خاصة وأن ملف الحدود الليبية بات من أهم الملفات المتداولة منذ فترة في سياق جميع الرؤى والتصورات المطروحة للحل في ليبيا”.
ذات علاقة:
مصدر أمني: اشتباكات قرب حدود تونس بين قوات ليبية ومسلحين محليين