العربي الجديد-
في الوقت الذي يسيطر فيه الجمود على ظاهر العملية السياسية في ليبيا، تجري العديد من الأطراف اتصالات وتبني تحالفات استعداداً لتغير وشيك في مشهد البلاد، على رأسه مسألة تشكيل حكومة موحدة في ليبيا لإنهاء الانقسام الحكومي.
وعلى الرغم من إقرار عديد من الأوساط الليبية عدم معرفتها بالتفاصيل المقبلة، إلا أنها باتت على قناعة بأن البعثة الأممية في ليبيا ستقود تغيّراً قريباً في بعض أبنية الهياكل السياسية الحاكمة في المشهد، وتحديداً ترميم السلطة التنفيذية التي تعاني انقساماً حاداً. ووفقاً لمصادر ليبية متطابقة، فإن نائبة رئيس البعثة الأممية ستيفاني خوري على اتصال بالمعنيين باللقاء الثلاثي الثاني، الذي سبق أن جمع في مارس الماضي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
وبحسب معلومات أدلت بها ذات المصادر لـ”العربي الجديد”، وهي مصادر مقرّبة من مجلسي النواب والدولة، فإن خوري باتت على صلة بأجندة اللقاء الثلاثي المرتقب وتؤثر فيه من خلال دفعها نحو بدء القادة الثلاثة تنفيذ بعض الاتفاقات التي أعلنت في اجتماعهم السابق، وتحديد مسألة تشكيل حكومة موحدة في ليبيا لإنهاء الانقسام الحكومي.
وفي مقابل غياب التفاصيل حول ما تحمله حقيبة خوري، خاصة أنها لم تتسلم مهام المبعوث السابق عبد الله باتيلي بعد، في ظل عدم تسمية الأمم المتحدة بديلاً عنه حتى الآن، انطلقت عديد من الأطراف الليبية في اتصالات ولقاءات في كل الاتجاهات لربط تحالفات جديدة، أو لتمتين صلات قديمة استعداداً للمشهد المقبل.
وفي منطقة العزيزية، جنوب طرابلس، انتهى المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة، من رعاية مصالحة بين قادة أبرز ثلاثة أجسام مسلحة تنتمي لسوق الجمعة، وهي جهاز الردع واللواء 444 وكتيبة ثوار طرابلس. وجاء ذلك على الرغم من الصدامات المسلحة العنيفة التي جرت بينها، خاصة القتال العنيف الذي جرى بين الردع واللواء 444 داخل طرابلس في أغسطس الماضي، ومواجهة عنيفة جرت بين الردع وكتيبة ثوار طرابلس وانتهت بطرد الأخيرة من العاصمة.
وتقف في ظلّ هذه المصالحة قوى سياسية واجتماعية، مثل حراك 17 فبراير في مصراتة، والمجلس العسكري في الزنتان، اللذين يقفان بالإضافة لجهاز الردع في موقف معارض لبقاء حكومة الوحدة في السلطة. فيما لا تزال الأخيرة تصرّ على البقاء من خلال اتصالات تجريها هي الأخرى مع شخصيات متنفذة في معسكر حفتر شرق البلاد، وتحديدا بين إبراهيم الدبيبة المستشار الخاص لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وصدام حفتر، والتي نتج عنها في السابق صفقة مشتركة لتعيين رئيس المؤسسة الوطنية الحالي فرحات بن قدارة المقرب من حفتر.
وفي سياق هذه الحراكات زارت شخصيات من تحالف مكونات مصراتة والزنتان الاجتماعية والسياسية رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عدة مرات خلال الفترة الماضية، للتنسيق معه بشأن تشكيل تفاهمات تفرض نفسها في واقع المشهد السياسي المقبل، خاصة مسألة تقديم حكومة جديدة بديلة كاستحقاق ضروري لأي تسوية متفق عليها، سيما وأن صالح من أبرز الشخصيات السياسية التي لم تتوقف عن المطالبة باستبعاد الدبيبة من العملية السياسية
حكومة موحدة في ليبيا مسألة مهمة بالنسبة لواشنطن والأوروبيين
ويعتبر الأكاديمي والباحث السياسي رمضان النفاتي هذه الحراكات والاتصالات “استباقية، لكنها قائمة على التخمين والتهكن” بسبب عدم وجود رؤية تفصيلية لمشروع البعثة الأممية المرتقب. ويشير النفاتي إلى أن هذا التهكن من قبل الأطراف الليبية قائم على بعض المتغيرات “التي ارتفعت في مستوى من الوضوح، وأهمها أن خوري هي من ستقود المشهد الى مرحلة جديدة تخدم على الأغلب مصالح واشنطن والأوروبيين في سياق صراعاتها مع الجانب الروسي”.
ويلفت النفاتي في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى غياب متغيّر هام عن قراءة الأطراف الليبية لمستقبل العملية السياسية وهو “أين تقع ليبيا في خارطة الصراعات بين هذه الدول الكبرى”. وأضاف “واضح أن الجميع يتحرك بحسب ما يظهر في سياسات الدول الكبرى بشأن ليبيا، فمثلاً لا يتحدث أي طرف ليبي عن قضية الانتخابات، لأنها قضية لا تبدو أولوية بالنسبة للتنافس الغربي مع روسيا، بقدر ما تبدو مسألة خلق حكومة موحدة في ليبيا مهمة بالنسبة لواشنطن والأوروبيين”.
ويوضح الباحث الليبي رأيه بأن “الجميع يتخبط، وما يظهر أنهم يسيرون في ركاب الثقل الأميركي الجديد في الملف الليبي، لكن كيف يُفهم مثلاً أن حكومة الدبيبة، وهي الطرف الأقرب كما يظهر للجانب الأميركي في مشروع تنظيم السلاح وتكوين قوة مسلحة نظامية في غرب ليبيا، وفي ذات الآن ترسل وفداً إلى روسيا وضمنه رئيس الأركان”. في إشارة للوفد الليبي الذي يضم نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، ووزير الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الطاهر الباعور، ورئيس الأركان في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، الذي زار موسكو أول من أمس والتقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
لكن في المقابل، يرى رئيس مركز بيان للدراسات نزار كريكش، أن كل الأطراف السياسية والعسكرية “باتت أكثر نضجاً ولا تضع يدها على الزناد بسهولة وتحسب حسابات اجتماعية واقتصادية وتحاول أن لا تخسر مكتسباتها، وهو المتغيّر الجديد في المرحلة الحالية”.
ووفقاً لقراءة كريكش، فإن كل طرف ليبي يضغط على الآخر ليستجيب لرغباته ومصالحه، ولذا لا يرى “غرابة في أن يلجأ جهاز الردع إلى القوى الاجتماعية للتحالف مع القوى السياسية والمسلحة، لأنه لا يملك من الأدوات السياسية إلا هذه الأداة، وكذلك الأطراف الأخرى كل منها يغازل الآخر من جانب ويظهر قوته من جانب آخر لحجز مكان في المرحلة المقبلة”.
وفيما يؤكد المصدر ذاته أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة جديد باتفاق جديد تقوده خوري، التي ستكرر عمل ستيفاني وليامز رئيسة البعثة الأممية السابقة، التي تمكنت من إنهاء انقسام حكومي حاد، إلا أنه في ذات الوقت يرى أن المشهد “لن يتغير بسهولة، فلن ينتقل إلى أخرى إلا بضمان كل طرف لمصالحه”.
وضمن المتغيرات التي ستقضي إلى مشهد جديد، يشير كريكس إلى أن واشنطن تسعى إلى تكوين “قوة في المنطقة الغربية من ليبيا، وربما وجود قوة دولية أيضا مدعومة من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا لمنع أي اشتباك بين القوة المسلحة في الغرب الليبي والقوات الروسية المتواجدة في ليبيا”، لافتا إلى جانب آخر يتفق مع متغيرات المرحلة، ويتعلق بملف النفط والعقود الإقليمية والدولية المرتبطة به.
ويضيف كريكش “ملف النفط والرؤية الكاملة في هذا الملف أصبحت في يد إبراهيم الدبيبة مستشار رئيس الحكومة، وصدام حفتر، من خلال وجودهما المؤسسي في الدولة، عبر صفقات نفط ارتبطوا فيها بمصالح دول إقليمية، فالمشهد لن يتغير ويتحول إلا بشكل يضمن هذه المصالح للقوى العظمى، بمعنى أن البلاد دخلت في شبكة أكثر تعقيدا تقتضي ضرورة سعي كل طرف للحفاظ على مصالحه”.
وسبق أن نتج عن مشاورات بين مستشار الدبيبة ونجل حفتر صفقة تم بموجبها تعيين فرحات بن قدارة، الرجل المقرب من حفتر، رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط في يوليو 2022. وبتأثير ذات المشاورات جرى في مارس الماضي إقالة وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية، محمد عون، الذي عارض توقيع مؤسسة النفط عقودا ضخمة مع بعض الشركات النفطية الدولية، ما جعل طرفي المشاورات تحكم قبضتها على قطاع النفط.