العربي الجديد-
أعادت الزيارة الأخيرة، التي أجراها نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني إلى مدينة ترهونة الليبية، ملف ضحايا المقابر الجماعية إلى الواجهة، بعدما تعهد بمواصلة التحقيقات الخاصة بمرتكبي المجازر تمهيداً للاقتصاص من الجناة.
وأكد الكوني، خلال لقاء مع أهالي ضحايا، أن المجلس الرئاسي سيتعاون مع النائب العام لمساندة العمليات التي تنفذها الأجهزة المختصة لاعتقال المجرمين، والتواصل مع دول تربطها اتفاقات مع ليبيا كي تسلم مجرمين موجودين على أراضيها، ونقلهم للمثول أمام القضاء”. وتفقد خلال الزيارة سجن الزراعة في ترهونة الذي استخدمته مليشيات، واستمع الى شهادات لسجناء سابقين حول عمليات تعذيب تعرضوا لها، ومشاهدتهم وقائع قتل وتنكيل بجثث الضحايا.
تزامن ذلك مع إعلان الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف على المفقودين كشف المزيد من المقابر الجماعية، ومواصلة أخذ عينات من الحمض النووي لذوي مفقودين للبحث عن أبنائهم ضمن الجثث التي تنتشل من مقابر المدينة.
وفيما أشاد أهالي ضحايا المقابر بزيارة الكوني، طالبوا المجلس الرئاسي وكل السلطات بتبني مشروع العدالة الانتقالية لمحاسبة الجناة المتورطين في قضايا القتل والخطف والإخفاء القسري، مؤكدين أن المقابر الجماعية في المدينة تعد أكبر دليل على جرائم القتل والتعذيب، كما طالبوا بتشكيل نيابة ومحكمة تختص بالجرائم التي ارتكبت في المدينة من أجل الاقتصاص من المتورطين.
ودعا الكوني في أكتوبر 2021، إلى إنشاء محكمة جرائم خاصة بمقابر ترهونة، وشبّه ما حدث فيها بـ”مجازر وجرائم البوسنة والهرسك ورواندا”، وقال: “تعرضت ترهونة إلى ما يشبه إبادة جماعية من خلال أفعال إجرامية مجردة من الإنسانية، وأفضت إلى قبور جماعية في كل مكان، تضم جثث رجال ونساء وشيوخ وأطفال، وأفراد عائلات أبيدت بالكامل”. وجاءت الزيارة بعد أيام من موجة انتقادات وجدل رافقت إعلان العثور على جثة القاضي في محكمة مدينة الخمس محمد بن عامر بين تلك التي انتشلت من مقابر ترهونة. ونعى المجلس الأعلى للقضاء بن عامر، وتعهد بمواصلة التحقيق في قضية المقابر.
وخلال يونيو الماضي، أعلنت الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف على المفقودين أن فرقها انتشلت جثتين مجهولتي الهوية من مقبرة جماعية، وأخذت 68 عينة حمض نووي من 18 من عائلات المفقودين في المدينة، ضمن حملتها لجمع أكبر عدد من عينات الحمض النووي تمهيداً لمطابقتها مع عينات جثث منتشلة. وأفادت الهيئة بأن فرقها تعرفت إلى هوية 261 جثة.
ويقول الناشط الحقوقي جمال الأنصاري لـ”العربي الجديد”: “يوجه طلب الأهالي تشكيل محكمة خاصة بجرائم ترهونة رسالتين، تذكّر أولاهما الكوني بوعده سابقاً بتشكيل محكمة، وتحث الثانية القضاء على العمل جيداً على الملفات”. يضيف: “يبدو جلياً عدم قدرة هؤلاء الأهالي على الوصول الى المسؤولين، وإلا لما انتظروا عامين لطلب تشكيل محكمة، علماً أن زيارة الكوني إلى ترهونة قد تندرج فقط في إطار محاولة تهدئة الرأي العام بعد التعرف على جثة القاضي بن عامر”.
لكن إبراهيم الجديدي، وهو شقيق أحد المفقودين، يصف في حديثه لـ”العربي الجديد” زيارة الكوني بأنها “خطوة مهمة حتى إذا كانت ترتبط بأهداف أخرى، تخدم القضية وتمنع نسيانها مع تقدم الزمن”. يتابع أن “غالبية الأهالي الذين ينتظرون كشف مصير أبنائهم المفقودين باتوا على يقين بأنهم بين الجثث أو داخل مقابر لم تفتح، وكل أنظارهم موجهة إلى القضاء الذي يطالبونه بمحاسبة الجناة. وأعتقد أن قضية المقابر ستصل يوماً ما إلى القضاء”.
وفي أغسطس 2022، أعلن النائب العام الليبي الصديق الصور أن القضاء فتح 280 قضية تتعلق بالمقابر الجماعية في ترهونة، وأحال 10 قضايا إلى المحاكم، ووجه تهم القتل والتعذيب والخطف والإخفاء القسري والسطو المسلح والسرقة إلى 20 متهماً. وقال: “ما يعنينا بالدرجة الأولى تلبية مطالب أسر الضحايا، ولا يهمنا من يريد الإفادة من القضية لخدمة أغراض سياسية أو إعلامية”.
وتُتّهم مليشيا “الكانيات” التابعة لقائد قوات خليفة حفتر في شرق ليبيا بارتكاب مجازر ترهونة حين سيطرت على المدينة بين إبريل 2019 ويونيو 2020، وهو ما تنفيه قيادة حفتر. وفي نوفمبر 2022، زار المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ليبيا لمدة أسبوع، ثم أبلغ مجلس الأمن في تقرير أنّه “تتوفر أدلة على ارتكاب جماعات مرتبطة بقوات حفتر جرائم في ترهونة”.