الناس-
سارعت حكومة الوحدة الوطنية لنفي عجزها عن دفع مرتبات الموظفين بالقطاع الحكومي، ظهر ذلك على موقع وزارة المالية وعلى منصة “حكومتنا” التابعة لرئاسة الوزراء، وذلك بعد أن تناولت مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم أن مرتبات شهر اكتوبر اقترضت من مؤسسة النفط.
ما يعزز هكذا مزاعم هو تأخر المرتبات لأكثر من أسبوعين، وما يعززها أكثر هو طلب المصرف المركزي لوزارة المالية بتغطية مرتبات شهر أكتوبر بعد تأخرها لأسبوع من نوفمبر، ثم وجه المركزي في مطلع ديسمبر المصارف العاملة بمنح أصحاب المرتبات قرضا حسنا بنسبة (60%) من المرتب، تقديرا منه لمسألة تأخر المرتبات.
أما ما يضعف القصة -قليلا- فهو استحداث الحكومة لمنحة التلميذ في أكتوبر وصرفها، ومما يضعفها أيضا قرار الحكومة بتعويض المتضررين من القانون رقم (4) لسنة 1978م، حين صادرت الدولة عقارات المواطنين تحت شعار “البيت لساكنه”.
فهل يعقل أن تعجز الحكومة عن الفرض وتجتهد في النافلة؟ لكن هذه المنحة في الواقع لا تمثل ثلث علاوة الأبناء التي صرفت عوضا عنها..
في هذا السرد سنتابع إذا كانت البلاد تعاني من شح في السيولة أو عجزا في الميزانية، أو كليهما؟ أم أن الأمر مجرد سجال ومناكفات بين الأطراف الفاعلة..
إقرار الميزانية. وطرح ملف رفع الدعم عن المحروقات
في أول يوم من العام 2023 طالعنا خبر من وزارة الشؤون الاجتماعية عن إحالتها لمخصصات منحتي الأولاد والزوجة والبنات للمصارف. وكان خبرا يوحي بدوران العجلة، وهذا يتناقض تماما مع اعتذار الحكومة للموظفين عن تأخر المرتبات.. بعد 13 يوما من انتهاء الشهر!..
بمرور أربعة أيام من يناير كان البرلمان قد أقر الميزانية العامة بمبلغ تجاوز (89) مليارا، فهل يوحي الرقم بوضع مالي سيء للدولة؟
الرد جاء من مصرف ليبيا المركزي الذي حذر من الإنفاق بنفس الوتيرة، مبينا أن إيرادات ليبيا في 2023 بلغت (125.9) مليار دينار، وبلغ الإنفاق (125.7) مليار دينار.
ولعل هذا ما دعا الدبيبة لطرح ملف رفع الدعم عن الوقود على الطاولة.. ما يبدو متماهيا مع تحذيرات المصرف المركزي. لكن الدبيبة نفسه عاد في الشهر التالي ليرفع مرتبات حرس المنشآت النفطية! رضوخا للابتزاز هذه المرة..
ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي والعملة المزورة
المصرف المركزي اتخذ خطوة للأمام حين اقترح في مارس ضريبة إضافية على بيع النقد الأجنبي بقيمة (27%)، قدمها للبرلمان، وأقرها رئيس البرلمان رغم معارضة النواب، ورفض الحكومة. ورغم إبطالها بالأحكام القضائية.
ومضى المركزي في كشف المستور إذ كشف عن عجز في النقد الأجنبي بقيمة تقترب من ستة مليار دولار خلال الربع الأول من السنة 2024.
ثم كشف أخيرا عن ضربة موجعة لعملته، بإعلانه عن وجود نسختين مزورتين من العملة الليبية من فئة (50) دينارا.
تحت السيطرة
ورغم ما واجه فرض الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي فقد امتثلت لها المصارف التجارية..
ولعل المركزي كان مرتاحا بعد مرور خمسة أشهر من العام، إذ أعلن في الأسبوع الأول من يونيو عن تسجيل إيرادات بلغت 43.7 مليار دينار مقابل نفقات تقدر بـ32.8 مليار.
وأحالت له وزارة الشؤون الاجتماعية المخصصات المالية لمنحة الزوجة والأولاد لصرفها لمستحقيها. فنفذها.
وبمرور ستة أشهر من العام كانت الإيرادات بلغت (45) مليار دينار، والإنفاق في حدود (43) مليار. هل الامور تحت السيطرة؟
الإطاحة بمحافظ المصرف المركزي
الشارع الساخط من فرض الضريبة وما ترتب عنها من تضخم في الأسعار تفاجأ في يوليو بخبر اعتماد البرلمان لمخصص إضافي للميزانية العامة بقيمة (88) مليار دينار، لتصل في مجملها إلى (179) مليارا.
أما المجلس الرئاسي الذي اعتاد الصمت فقد اعترض بحدة هذه المرة، داعيا إلى توفر الاشتراطات الدستورية لإقرار قانون الميزانية، مخاطبا مجلس النواب ومجلس الدولة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي.
وبدا أن صيحة الرئاسي لاقت آذانا صماء. ولعل معركة الإطاحة بالمحافظ بدأت في ذلك الوقت، انتهت بإقصاء الصديق الكبير من المنصب، وعين خلفا له “ناجي عيسى” بعد فترة انتقالية استمرت شهرا ونيف.
لكن لا شيء تغير بتبديل المحافظ، فالضريبة ظلت سارية (ألغيت يوما واحدا وعادت في اليوم التالي) ثم خفضها رئيس البرلمان إلى (20%)، ثم عاود وخفضها إلى (15%)، وهي ما عليه الآن.
تأخر المرتبات وشح السيولة
“المركزي” طمأن في سبتمبر بأن إيراداته بلغت 66 مليار، وهي أكثر من مصروفاته التي كانت 60 مليار دينار، أما عن أزمة السيولة فقد سعى لمعالجتها بأن أعلن في أكتوبر استئناف العمل بمنظومة الأغراض الشخصية لبيع العملة الأجنبية.
وسنقرأ أنه تعاقد في مطلع ديسمبر على طباعة (30) مليار دينار لضخها في القطاع المصرفي.
تأخرت مرتبات سبتمبر إلى منتصف أكتوبر، وتأخرت منحة الزوجة والأولاد عن الربع الثالث، إذ لم تصرف بعد، ثم تأخرت مرتبات شهر أكتوبر هي الأخرى إلى منتصف نوفمبر، وحين صرفت ظلت رقما في مصرف تجاري يعاني من شح السيولة.. وستتأخر في نوفمبر أيضا ونحن نقترب من منتصف ديسمبر.
ورغم أن شح السيولة مشكلة مزمنة منذ عقد تقريبا، أدت إلى تقييد السحب النقدي في المصارف،، إلا أن قرارا من المركزي في منتصف أكتوبر سيرفع القيود عن السحب النقدي! لكنه لم ينفذ وأنى له.
وهاهو المركزي يلوح بأرقامه، إذ تجاوزت نفقات الحكومة والرئاسي ومجلسي النواب والدولة حاجز 3.7 مليار دينار حتى أكتوبر- وفق سجلاته..
يشار إلى أن أكثر من مليوني مواطن ليبي يتقاضون مرتبات من الخزانة العامة حتى نهاية العام 2023 وذلك وفق بيانات ديوان المحاسبة التي نشرت مؤخرا، يبلغ إجمالي مرتبات هؤلاء قرابة (44) مليار دينار، وهو ما يمثل ربع النفقات تقريبا التي بلغت (174) مليار في عام وفقا للمصدر نفسه. وفي العام 2024م زيدت المرتبات لبعض القطاعات كان آخرها التعليم العالي الذي ضوعفت مرتبات موظفيه عديد المرات.