العربي الجديد-
لم تثر زيارة وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش إلى تونس، الأسبوع الماضي، متابعة كبيرة، بحكم أنها كانت سريعة ولم تتسرب عنها تفاصيل كثيرة، باستثناء ما نقلته البيانات الرسمية للبلدين عن ملفات ثنائية قديمة بينهما، أبرزها الحدود والتنقل والعلاقات الاقتصادية المتعثرة.
ولكن على الرغم من ذلك، أثار البلدان ملف السودان وقلقهما من تطور الأحداث، ما يعكس مخاوف حقيقية من تداعياتها على ملف الهجرة وإمكانية هروب مئات آلاف السودانيين من الحرب، وجزء كبير منهم إلى ليبيا ثم إلى تونس، وبعد ذلك إلى أوروبا.
وهنا يبرز الدور الإيطالي من جديد، الذي يركز كل جهوده في الأسابيع الأخيرة حول جيرانه جنوباً، تونس وليبيا، وسيتصاعد صياحه الدبلوماسي في المنابر الأوروبية، مع ما تسرب عن إمكانية حصول زيارات لمسؤولين إيطاليين إلى تونس قريباً لبحث هذا الملف. وإيطاليا منزعجة أصلاً من الأوضاع في تونس وفي ليبيا. ومع تطور الأحداث في السودان، ستكون الحكومة اليمينية على الجمر.
كانت زيارة المنقوش في وقتها لطرح حد أدنى من التنسيق جنوب المتوسط في ملفات تعني بلدانها، تونس وليبيا والجزائر، ومصر أيضاً، وهو تنسيق غائب ومعطل منذ توقف اجتماعات وزراء جيران ليبيا، بسبب الخلافات المعروفة بشأن نوعية الحل السياسي في ليبيا، وانحياز الجيران إلى هذا الطرف أو ذاك، أُضيف إليه الخلاف الجزائري المغربي الذي أطاح أي تنسيق محتمل في المنطقة حول أي ملف.
وتحتاج ليبيا وتونس بالذات إلى التنسيق الدقيق بخصوص طريقة التعامل مع الجار الشمالي، إيطاليا، وأطماعها الاستراتيجية المعروفة في المنطقة، مقدرات ليبيا من الطاقة من جهة، وموقع تونس الاستراتيجي لنقل الغاز من جهة أخرى.
الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني يتحدث في كتابه الجديد، “ليبيا العميقة”، عن هذا الدور الإيطالي في أكثر من موضع، وعن هذا التنافس على الطاقة بين إيطاليا ودول أوروبية وغير أوروبية في ليبيا، ويستعيد بدقة محطات تاريخية قريبة غيّرت مجرى الأحداث في هذا البلد بسبب الأطماع المختلفة. ويؤكد أن “إيطاليا لا يمكن أن تضحي بسهولة بليبيا، الشريك الاقتصادي المتميز… لكن الثابت أن الوضع الداخلي في إيطاليا يؤثر بشكل أساسي في العلاقة مع ليبيا، زد على ذلك العلاقات الاقتصادية والتاريخية، ما يجعل إيطاليا شريكة في أي عملية مقبلة، سواء كان ذلك بمبادرة منها أو بشكل آخر، لأن مصالحها على المحك”.
ولكن العلاقات التونسية الليبية ظلت للأسف متأرجحة، متأثرة خصوصاً بتغير الحكومات التونسية وتبدل سياساتها وخياراتها في ليبيا، مع أنها، لو كان هناك من يتمعن، ستمثل الحل لمشكلات تونسية كثيرة، ولمشاكل ليبية كثيرة أيضاً.