بين الرأس والكراس …!!!
* كتب/ عطية صالح الأوجلي
رغم ثرثرته وإطرائه المبالغ فيه لنفسه.. إلا أننا أحببناه واستمتعنا بحصته بين سيل النكات والمبالغات التي كان يمطرنا بها كقوله ..
” أنا أكثر من عمل رحلات طيران في العالم”..
أو “عندنا في مصر سيارة مرسيدس البستون فيها من ذهب..!!” ..
” لما جيت ليبيا كان في وداعي في المطار الريس عبدالناصر” …
كنا نضحك ونسايره ونتمنى أن لا ينقطع حديثه.. رغم إدراكنا لحجم المبالغات فيه.. وما بين القصص الخيالية والحقيقية نجح في أن يسرب لنا مادة الرياضيات ويحببنا فيها ويقدمها بشكل جذاب وممتع.. بل وفكاهي.
وكمعظم الأساتذة كانت لديه لازمة يكررها بين الحين والأخر “العلم في الرأس مش في الكراس ” …
كان ينبهنا الى أهمية استيعاب وفهم الرياضيات وحفظ قوانينها وعدم الركون إلى الكراريس والكتب… تذكرت هذه اللازمة هذا الصباح وأنا اطالع رحلة الأمام الغزالي وقصته مع قطاع الطرق …
كان الامام الغزالي قد جاء إلى نيسابور طلبا للعلم ولقاء العلماء وبحثا عن مخطوطات.. وكان يدون ما سمعه من العلماء ويجمع المخطوطات ويضعها في جراب لا يفارقه.. حتى إذا ما أنهى مهمته قرر الرجوع.. فرافق قافلة متجها نحو وطنه.. وفي الطريق هاجمتهم عصابة من قطاع الطرق.. فاخذوا جميع ما يملكه المسافرون ومضوا.. وبعد برهة .. انتبه اللصوص إلى أن الغزالي يلاحقهم.. فالتفت زعيمهم إليه قائلا:
“أرجع ويحك وإلا هلكت.. ارجع”.
“مخلاتي … مخلاتي ..أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن تردَّ علي مخلاتي فقط ـ فما هي بشيء تنتفعون به·”. صاح الغزالي.
“وما بها ؟..” .. رد قاطع الطريق.
فقال الغزالي ” كتب.. بها كتب.. هاجرت لسماعها وكتابتها وعرفت علمها”.
– وما الذي تستفيده من أوراق كهذه؟
– إنها ثمرة سنين، وإذا أخذتموها مني فستضيع معلوماتي كلها وستذهب أتعابي هباء.
– أحقا إن كل ما تعلمته هو في هذه الأوراق؟
– نعم.
– فضحك قاطع الطريق قائلاً :
” ويحك .. أما علمت إن العلم الذي يكون قابلا للسرقة ليس بعلم .. !!!”.
أحدثت هذه الواقعة تغييرا كبيرا في شخصية الغزالي وفي منهجه.. فصار يدرب ذهنه على الحفظ والفهم والاستذكار وتغيرت بذلك حياته حتى أنه كان يقول “هذه افضل نصيحة قدمت لي.. حتى أنني حفظت جميع ما في مخلاتي بحيث لو قطع الطريق قاطع علي لم أتجرد من علمي ” .
رحم الله الإمام الغزالي ورحم الله أستاذنا المصري إن كان قد توفاه وأمده بالصحة والعافية إن كان لازال حيا.. ورحم الله من قال “العلم في الصدور وليس بين السطور …أو العلم في الراس وليس في الكراس”. … !!!