عربي 21-
نشر موقع وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية تقريرا حول الأزمات التي تعصف بليبيا، بعد أكثر من عقد على الإطاحة بالحكم الاستبدادي لمعمر القذافي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21″؛ إن القوى الدافعة لعملية السلام، بدأت تُستنزف بعد توقف الجهود المدعومة من الأمم المتحدة للتوفيق بين الحكومتين المتنافستين في الدولة الغنية بالنفط.
وفي خضم الحرب الأوكرانية، أصبحت محنة ليبيا أسفل أولويات الأجندة الدولية، بينما تتدهور الخدمات العامة الأساسية وتنخفض مستويات المعيشة وسط التضخم المتسارع.
ما الذي يكمن وراء سنوات من الاضطرابات؟
انهارت مؤسسات الدولة الليبية خلال حكم القذافي الدكتاتوري الذي استمر 42 عاما، وبعد الإطاحة به تُرك فراغ ملأه عدد لا يحصى من المليشيات ذات الانتماءات القبلية، بينما انقسم غرب البلاد الأكثر ثراء عن الشرق، الذي يُعد موطنا للكثير من منشآت إنتاج النفط في ليبيا.
وبعد انتخابات 2014، انقسمت ليبيا إلى نصفين، واشتبكت الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس مع الجنرال خليفة حفتر، وتحالف من القوات والمقاتلين غير النظاميين المعروف باسم الجيش الوطني الليبي في الشرق.
وذكر الموقع أن وقف إطلاق النار بوساطة دولية، أسفر في أكتوبر 2020 عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة في عهد رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، الذي كان من المفترض أن يقود البلاد نحو الانتخابات في أواخر 2021.
لكن التصويت تأجّل وسط خلافات قانونية وبقي الدبيبة في منصبه، مما أثار غضب أعضاء البرلمان في الشرق، الذين عينوا فتحي باشاغا رئيسا منافسا للحكومة.
ما مدى عدم استقرار البلاد؟
وشهدت ليبيا فترة من الهدوء النسبي بعد وقف إطلاق النار في سنة 2020. لكن في مايو 2022، حاول باشاغا دخول طرابلس للضغط على مطالبه لقيادة البلاد، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة أجبرته على الانسحاب، تبعها معارك في أواخر أغسطس، مما أثار المخاوف من العودة إلى حرب شاملة.
وأكد الموقع أن كلتا الحكومتين الليبيتين لم تتمكنا من استعادة النظام بالكامل في أراضيها، أو استعادة الأسلحة المنهوبة في أثناء الإطاحة بالقذافي.
وقد سمح فراغ السلطة في أقصى الجنوب للمقاتلين المتحالفين مع تنظيم الدولة، بالاحتماء وشنّ هجمات متقطعّة على قوات الأمن.
ومع ذلك، تستمر التجارة والحياة الأسرية والتعليم، وتقوم الوزارات البعيدة عموما عن الصراع السياسي بتوفير الخدمات الحكومية مثل التعليم والنقل، رغم محدوديتها نسبيا بتمويل من الحكومة المتمركزة في طرابلس.
من يمتلك السلطة السياسية؟
تعهد الدبيبة بعدم التنحي حتى إجراء الانتخابات مستفيدا من الدعم التركي، ليعزز سيطرته على العاصمة من خلال تحييد المليشيات التي قد تهدد حكمه.
وفي حين يضغط باشاغا، وزير الداخلية السابق، لتأكيد قضيته من أجل الشرعية المحلية والدولية، لا يزال حفتر يسيطر على شرق ليبيا، وهو قادر على حشد قوة قتالية كبيرة.
أما رئيس البرلمان في المنطقة الشرقية، عقيلة صالح، فهو معارض صريح للدبيبة.
وأخيرا، لدى نجل المستبد الليبي السابق، سيف القذافي، طموحاته الخاصة لقيادة البلاد، معاودا الظهور في أواخر سنة 2021 لتقديم محاولة مدعومة من روسيا للرئاسة، رغم عدم وضوح الدعم الشعبي الذي يحظى به.
ما هو دور المجتمع الدولي؟
أشار الموقع إلى أن الصراع الليبي جزئيا يعتبر إلى حد ما حربا بالوكالة بين بعض قوى الشرق الأوسط، إذ تدعم مصر والإمارات حفتر، على أمل أن يتمكن من هزيمة الجماعات الإسلامية في ليبيا، بما في ذلك فرع من جماعة الإخوان المسلمين.
وقد وجدت تركيا، التي كانت لها علاقات وثيقة مع الإخوان، قضية مشتركة مع إدارة طرابلس.
كما انضمت روسيا إلى المعركة، وهي تحاول تحدي المصالح الغربية في الدول العربية الضعيفة.
تغيرت هذه الديناميكية في السنة الماضية، حيث قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وإلى حد ما مصر، بتحسين علاقاتها مع تركيا.
أما بالنسبة للدول الأوروبية، فقد منحتهم احتياطيات ليبيا النفطية الهائلة، الأكبر في أفريقيا، وموقعها عبر البحر الأبيض المتوسط مصلحة للتدخل في نتيجة الصراع، لكنهم أظهروا القليل من الرغبة مؤخرا في المشاركة المستمرة اللازمة لحل الأزمة.
وتبدو الحكومات الأوروبية أكثر اهتماما بمنع استخدام ليبيا كنقطة انطلاق للمهاجرين الأفارقة، الذين يحاولون عبور البحر المتوسط.
ماذا حدث لإنتاج الطاقة؟
تمنح احتياطيات النفط ليبيا موارد وفيرة لدفع تكاليف إعادة الإعمار الوطنية، وذلك فقط في حال تمكنت من حل مشاحناتها السياسية.
ولا يمثل الإنتاج الحالي للنفط سوى نسبة ضئيلة من إمكانياته الحقيقة، حيث يتم إغلاق حقول النفط وخطوط الأنابيب والموانئ بشكل منتظم من قبل المليشيات والمتظاهرين السياسيين؛ بهدف الضغط لتنفيذ مطالبهم.
ذكر الموقع أن إنتاج النفط تراجع منذ أبريل وسط الصراع الأخير على السلطة، ليتعافى لاحقا بعد إصلاح إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة والتوصل إلى اتفاق لتخفيف التوترات بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط.
ولكن الخلل الوظيفي يعيق الجهود المبذولة لإصلاح البنية التحتية المهترئة والمهملة للطاقة في البلاد.
مع ذلك، تعد شركات مثل “توتال إنيرجي” والوكالة الوطنية للمحروقات الإيطالية و”رويال داتش شل” على استعداد لاستثمار مليارات الدولارات لاستغلال احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في ليبيا، فضلا عن إمكاناتها للطاقة الشمسية.