
* كتب/ عبدالحميد محمد جبريل،
عقدت الدورة الثالثة عشر للمهرجان الوطني للفنون المسرحية بطرابلس والذي امتدت أيامه على مدى سبعة أيام من 24/10/2025م إلى 30/10/2025م حيث كان الختام وتوزيع بعض الجوائز في اليوم الأخير وحجب بعضها الآخر.
وقد صاحبت عروض المهرجان ورش عمل يومية ساهم في تقديمها بعض خبراء المسرح على مدار الأسبوع، مستهدفة بعض أعضاء الفرق المسرحية ونظمت اللجنة الثقافية أربع ندوات حول تجارب بعض من رواد المسرح الليبي في نهاية القرن الماضي، والتي كان آخرها إشهار إصدار كتاب مخاض التجربة لكاتب المقال، كما اشتملت هذه الأيام على صدور صحيفة الركح اليومية عن اللجنة الإعلامية التي تصدر باسم المهرجان لتواكب العروض والمناشط المقامة من داخله.
ولا شك أن القيام بمثل هذا المحفل الفني الكبير الذي جمع بين كافة أطياف الفنانين المسرحيين في ليبيا رغم ظروف الانقسام السياسي يكتسي أهميته البالغة، والفضل بعد الله يعود للفرسان الذين قادوا هذا الجهد الكبير، وعلى رأسهم الفنان أنور التير وكل لجان العمل بالمهرجان، ولا ننسى دور الفنان عبد الباسط بوقندة بالمؤسسة العامة للخيالة والمسرح والفنون، في سعيه الدؤوب لترسيخ هذا الاتجاه الذي يرسم ورسم الصورة الأولى لوحدة الوطن بملامحها الجميلة، إلا أن الأمر لا يخلو من النقص ومواضع النقد الذي يجب أن يكون بنّاءً لتفادي مثالب الوقوع فيها في المستقبل.
ومن المناسب جداً أن نبدأ بالحديث عن شروط المهرجان التي فُرضت على الفرق لتقديم العروض قبل التفكير في المشاركة والانتقال إلى مسائل التحقق من طبيعة الجمهور الذي كان يحضر مناقشة ندوات العروض، ومدى الاستفادة منها وعلاقة كل ذلك بحجم الجوائز المرصودة ومدى تأثير قيمة هذه الجوائز سلبا أو ايجابا على مستوى النقاش وعلى مستوى العروض في حد ذاتها.
وقبل أن ننتقل إلى كل ذلك نعود مرة أخرى إلى شروط المشاركة في المهرجان الصادرة عن لجنته العليا، ونتناول شرطين كان لهما الأثر السلبي الواضح حتى على مستوى اختيار العروض من قبل لجنة الفرز الخاصة بالمهرجان؛ لأن أغلب ما اختارته لا يرتقي إلى مستوى العروض التي يمكن أن تستحق الفرجة والمتابعة. وعندما تكون في البداية أخطاء لا يمكن أن تأتينا نتائج مختلفة وبعيدة عن هذه الأخطاء، وكلما كانت البداية أسلم، كانت النهاية أتم.
الشرط الأول والخطير في تقديري ويعد خطأ جسيما ومصادرة واضحة على عملية الإبداع في حد ذاتها، وذلك باستبعاد أي نص قد كتب باللغة العربية نتيجة للاعتقاد الخاطئ والسطحي بأن الأعمال التي تكتب باللهجة الدارجة هي الأسرع، وصولا إلى قلب وعقل المتلقي، وقد شاهدنا العكس تماما في هذا المهرجان، فلم نر أكثر من اسكتشات في بعض الأعمال لا ترتبط بأي قضية حقيقية تمس الناس، أو موضوع أو تسلسل وبناء درامي سليم، أو نضوح بالحبكة الدرامية، فقد لا تصلح مثل هذه الأعمال للتقديم حتى على مستوى الأندية الرياضية المبتدئة، إن اللغة العربية هي الأصل في عملية الإبداع، وفي تقديري أن من لا يستطيع إتقانها وإيصالها إلى المتلقي لا يمكنه الوصول بموضوعه إن كان هناك موضوع حتى بالدارجة وبشكل سليم، وكان الأجدى والأسلم أن يكون مجال كتابة النص مفتوحا على مصراعيه ويطلق العنان في ذلك دون استثناء أو حجر على لغة الكتابة والإبداع بأي شكل من الأشكال، سواء كانت اللغة فصيحة أو دارجة.. إن هذا المنع بهذا التبرير الساذج والسطحي يعد استهدافا للغة عظيمة تضرب بجذورها في زوايا الإبداع بكافة أشكاله وفي عمق التاريخ والحاضر معا.
أما الشرط الثاني الذي أصرت عليه اللجنة وفي حَجر واضح على حرية الإبداع، فهو لا يقل سطحية عن سابقه، فقد اشترطت على الكاتب المسرحي بأن لا تقل الشخصيات في نصه عن خمسة شخوص، ربما نتفهم (المونودراما) والأداء بشخص واحد على المسرح، وقد يحتاج إلى مهرجان خاص بذلك، ونتفهم أيضا تحديد زمن العرض بحيث لا يزيد أو يقل عن ساعة، ولكننا لا نستطيع أن نتفهم التدخل الواضح في إبداع الكاتب بهذا الشكل الفضّ، من حيث تحديد عدد شخوص المسرحية.
وللحديث بقية……..)



