الرئيسيةفي الذاكرة

بعيون بولندي: عيد الأضحى في براك ثلاثينيات القرن الماضي

* كتب/ عبدالوهاب الحداد،

في صباح يوم من ربيع عام 1934، وبينما كانت الصحراء الليبية تتهيأ لاستقبال عيد الأضحى، كان الرحّالة والطالب البولندي “برونيسواف كريستين فيجايسكي” يجوب أرجاءها، ويسجّل مشاهد لا تنسى من حياة الليبيين آنذاك.

كان فيجايسكي قد وصل ليبيا في يناير من العام نفسه، قادمًا عبر البحر إلى طرابلس، ومنها انطلقت رحلته التي شملت مدنًا وقرى كثيرة امتدت من تغرنة إلى غريان، ومصراتة، وهون، وسوكنة، وسبها، ومرزق، وأوباري، والعوينات، وصولًا إلى براك التي صادف أن قضى فيها عيد الأضحى، يوم 25 مارس.

وصف فيجايسكي في كتابه “حصون على الرمال.. تريبوليتانيا سنة 1934″، الصادر في نسخته العربية عن دار الجمل بترجمة ميخائيل عبد الله، الأجواء التي خيّمت على واحة براك. فبينما كانت الشمس تبسط نورها على رمال الجنوب، كانت الزوايا والأزقة تستعد لاستقبال العيد بفرح صامت وهمة لافتة. النسوة -كما يصف- كنّ في قلب الاستعدادات: ينظفن الأرصفة، يحكن البرانس في ورش بدائية، ويعجنّ الطين لصنع أواني الطهي التي ستطهى فيها أطباق الكسكسي.

كل بيت -وفق شهادته- كان يربّي خروفه الخاص، منتظرًا اليوم الموعود. ولاحظ الرحّالة البولندي اهتمامًا فائقًا من النساء بمظهرهنّ: ملابس زاهية، حُليّ فضية، وسلاسل ثقيلة، ووجوه تتوهج بالزينة والفرح. أما الرجال، فكانوا يلبسون برانس بيضاء ناصعة، ويضعون طرابيش تعلوها خصل سوداء، يمشون بكبرياء وعزة.

يقول فيجايسكي إن صباح العيد بدأ عنده في السابعة، حين أيقظه الجندي المسؤول عن راحته، ليخرج متجولًا في الواحة التي تملؤها أجواء العيد. لكن، كـ “رومي” كما كان يُنادى، لم يُرحب به الجميع، وخاصة من النسوة اللواتي زجرنه بقولهن “برّا رومي!” كلما حاول الحديث معهن.

من المشاهد التي رسمها يوم العيد، الأطفال، وهم يمسكون حبال الأغنام المعدّة للنحر، والنساء، وهن يحفرن الحفر لتُسفك فيها دماء الذبائح، التي لا يُسمح أن تهدر قطرة منها، ورجلًا شابًا أبيض الشعر يسن السكين بحذر، بينما الجميع ينتظر لحظة النحر بصمت.

يُسجّل فيجايسكي حرص السكان على طقوس الذبح، واتخاذ كافة الاحتياطات الشرعية حتى لا يُحرَّم الذبيحة. “يكفي أن ألمس النعجة، أو تلامسني قطرة من دمها، لأُفسد الطقس”، مضيفًا، أن الناس كانوا يلوّحون له بالابتعاد حتى لا يُفسد على نفسه وعلى الآخرين مائدتهم المنتظرة.

يقف عند مشهد الذبح بتفصيل: “يقلبون النعجة على جانبها بعد توجيه رأسها إلى مكة، ثم يضغطون بركبهم بقوة على جسمها المرتبك وهي تطلق ثغاء موجعًا، يفوه الرجل العجوز ببعض الكلمات الرسمية، سمعت منها عبارة تتكرر باستمرار: الله. يوقف الصلاة في إحدى اللحظات، يركع على ركبتيه ويبدأ بنحر رقبة الضحية بتأنٍّ”، “تترك الأغنام المذبوحة بعض الوقت معلقة أمام البيوت، ثم تنقل إلى الداخل حيث تتم عملية سلخ الجلد، مع الحرص على استغلالها استغلالًا كاملًا.  بعد ساعات تلمح في كل مكان جثثًا معلقة على الحبال المربوطة بين وتدين مغروزين بالأرض، ترى قطعا من اللحم تجف في الشمس”.

أما ختام اليوم، فكان في حضرة صوفية، صاخبة، تمتد حتى الغروب، حيث يتوجه الناس إلى ولائم العيد. ووفق قوله: “بعد غروب الشمس في الواحة يسرع الحاضرون إلى وليمة العيد التي تنتظرهم. الآن يستطيع المسلم الحقيقي الحريص على مبادئ الدين أن يُقدم بنقاوة ضمير على تناول أكلته المحببة، الكسكسي”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى