العربي الجديد-
نفذ شبان في ليبيا محاولات عدة في السابق للتأثير في وضع البلاد، والمشاركة في تحديد مستقبلها، لكن غالبية هذه المحاولات تراجعت بسبب ارتكازها على تحركات ظرفية، وافتقادها إلى برامج عمل مستمرة، وأهداف منشودة على المدى البعيد، كما يقول بعض النشطاء الشبان.
والعام الماضي، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس نيتها تشكيل برلمان للشباب، ثم فتحت في منتصف العام ذاته باب الترشح للانتخابات التي لقيت إقبالاً واسعاً. ثم أجرت وزارة الشباب تصويتاً إلكترونياً لاختيار أعضاء البرلمان، مطلع يونيو من العام الماضي، وأشارت إلى أن 148.594 شخصاً أدلوا بأصواتهم من خلال رسائل هاتفية خليوية قصيرة، تمهيداً لتحديد خياراتهم بين أكثر من ألفي مرشح تراوحت أعمارهم بين 17 و25 عاماً.
وفي مارس الماضي، نظمت حكومة الوحدة الوطنية انتخابات الدورة الثانية لبرلمان الشباب، وانتهت باختيار 200 عضو بواسطة الاقتراع الإلكتروني، شكلوا المجلس الذي عقد جلسته السبت الماضي، في حضور رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وممثلين لمنظمات في المجتمع المدني، ومهتمين بالشأن المدني الليبي.
ويشيد توفيق بن طاهر، الذي خاض منافسات الدورة الأولى لانتخابات برلمان الشباب العام الماضي، بإجراء الدورة الثانية لانتخابات برلمان الشباب في مارس الماضي، وواقع عكسها “الخبرات المتراكمة في التنظيم، ووعي الشباب بأهمية المشاركة مقارنة بالدورة السابقة للعام الماضي”.
ولم يترشح بن طاهر للدورة الثانية هذا العام، لكنه يؤكد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنه مقرب من زملاء وأصدقاء له حققوا الفوز في الدورة الثانية. ويعتبر أن فوائد الشباب من توفير هذا الإطار لممارسة حقوقهم، لا تنحصر في العمل السياسي، بل تشمل أيضا لجانا خدماتية أخرى تعنى بالاقتصاد والإدارة المحلية وملفات الخارجية والنفط والطاقة”.
يتابع: “لا تزال المشاركة في ملفات مهمة لبلدنا هدفاً بعيداً للشبان الليبيين، إذ لن يلتفت أي طرف سياسي لآراء الشباب، لكن يمكن القول إن البرلمان الخاص بهم يوفر فضاء لزيادة رصيدهم على صعيد الخبرات والدراية بالملفات الشائكة. وعموماً تملك غالبية البلدان برلمانات للشباب يمكن الإفادة من الأشواط التي قطعتها لبلوغ مرحلة تنظم فعاليات ناجحة ومؤثرة”.
في المقابل، يرى الناشط المدني مالك هراسة، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “إنشاء هذا النوع من البرلمانات يعكس استغلال طرف سياسي الفكرة لاستثمارها في الصراع الليبي، فحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس باتت تستطيع كسب ود أصوات شريحة الشبان في أي انتخابات لصالح قادتها، في حين لا يدعم المناخ السياسي السائد ممارسة الشباب أي نشاط. وهنا نسأل هل يستطيع برلمان الشباب أن يفتح ملف جرحى الحروب ومبتوري الأطراف، وهم أنفسهم من شريحة الشباب، أو يدعم على الأقل مطالب توفير علاجات لهم، كذلك هل يمكن أن يطالب برلمان الشباب بمحاسبة ومحاكمة القادة الذين زجوا بشبان آخرين في الحروب، ثم تصافحوا حين التقوا وجهاً لوجه متناسين الشبان الذين كانوا وقود حروبهم طوال الفترات الماضية”.
ويذكر هراسة أن “حراك لا للتمديد الذي انطلق عام 2014 من أجل إرغام البرلمان حينها على وقف التمديد لنفسه، والدفع لإجراء انتخابات برلمانية يكون رئيسه ونوابه من الشباب، نظم تظاهرات في أكثر من مدينة للمطالبة برحيل الحكام والقادة الحاليين، لكن السلطات واجهته بتنفيذ اعتقالات، وبذلت كل جهودها لتفكيكه”.
يضيف: “حتى فترة قريبة أصدرت حكومة الوحدة الوطنية نفسها التي تزعم أنها ترعى برلمان الشباب قرار سحب الشرعية عن كل مؤسسات المجتمع المدني التي تشكلت بعد عام 2011، وسعت إلى الحصول على قرارات قانونية من مجلس القضاء ضد هذه المؤسسات، لذا يمكن القول إن الأطراف السياسية تحاول استثمار كل الشرائح المجتمعية، ومنها الشباب، لتحقيق مكاسب”.
وخلال الجلسة الأولى التي عقدها برلمان الشباب، السبت الماضي، خاطب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الشباب قائلا: “ستكونون سلطة تشريعية تختار الحكومة وتحاسبها، وتقبل قرارات الوزراء والميزانيات، وقد نجحتم في خوض التجربة السياسية من خلال الجلسات التي عقدت، واللجان التي انضممتم إليها في البرلمان الخاص بكم”.
وطالب الدبيبة أعضاء البرلمان الشبابي بـ”التواصل مع كل شرائح المجتمع الشبابية وغير الشبابية، تمهيداً لانتزاع حقوقهم بشكل سلمي”.
ورغم أن هراسة يعارض محاولة الحكومة استثمار شريحة الشباب، يعتبر أن “فكرة البرلمان الخاص بهم قد تمثل طريقاً للقاء الشباب، وصقل إمكاناتهم وقدراتهم، علما أن الفائدة الأقل من تجربة تنظيم الانتخابات الشبابية الأخيرة تتمثل في تعزيز فكرة التصويت الإلكتروني كي يصبح بديلا مقبولا، في حال نجاحه، لطريقة الاقتراح بالأوراق والصناديق المعرّضة لضغط وابتزاز”.