العربي الجديد-
تحاول سلطات حكومة الوحدة الوطنية في العاصمة الليبية طرابلس تطويق أزمة تفشي أمراض السرطان عبر تنفيذ برامج لتوطين العلاج في الداخل، وضبط ملف أولئك الذين يعالجون في الخارج.
ومنذ نوفمبر 2022 أنشأت حكومة الوحدة الوطنية هيئة متخصصة لعلاج السرطان أطلقت عليها اسم الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، وقررت إدارتها مباشرة من أجل وضع السياسات والخطط والبرامج اللازمة لمكافحة السرطان ومتابعة تنفيذها، واتخاذ الإجراءات المطلوبة لتوطين علاج المرضى في الداخل من خلال إعداد قاعدة بيانات تحدد احتياجات الأدوية والأجهزة المطلوبة لعلاج المرضى.
وفي الشهر ذاته، أطلقت الحكومة برنامج الوثيقة الوطنية للوقاية والكشف المبكر عن السرطان، وأشارت إلى أن المرحلة الأولى للبرنامج ستمتد حتى نوفمبر المقبل، ثم تبدأ المرحلة الثانية التي تخضع لكشف إلزامي.
وبحسب تصريحات أدلى بها مسؤولون في الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، نهاية يناير الماضي، بدأ العلاج الاشعاعي لمرضى السرطان في عدد من المراكز المحلية لعلاج الأورام بهدف توطين العلاج داخل البلاد.
وأعلن رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، حيدر السائح، وضع منظومة لتسجيل مرضى الأورام في المستشفيات المحلية وربطها ببعضها، وأوضح أن الهيئة أصدرت بطاقات الكترونية لـ 22059 مريضاً في أنحاء البلاد لبدء الإشراف على علاجهم وتوفير أدوية لهم.
ولفت السائح الى أن نسبة 28 في المائة من الإصابات شملت مرض سرطان الثدي، وبعده سرطان القولون بنسبة 18 في المائة، ثم باقي أنواع الأورام.
من جهته أعلن جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية أن عدد مرضى الأورام في الخارج بلغ 5620، منهم 4416 في تونس، و970 في مصر، و186 في تركيا، و48 في ألمانيا، وأشار إلى أن نحو 45 في المائة من المرضى عادوا إلى البلاد بعد توفير الأدوية، وتفعيل العلاج الإشعاعي في المراكز المحلية.
يقول الطبيب المتخصص في علاج سرطان العظام إبراهيم عثمان، لـ”العربي الجديد”: “ربما يتحدث هذا الإحصاء عن مراحل أولية، لكن ماذا عن أورام الأطفال التي شكلت ظاهرة مرعبة خلال السنوات الماضية، وأثارت اهتمام الرأي العام حين تحدثت دول أجنبية عن ديون مستحقة لليبيا مرتبطة بعلاج عدد من هؤلاء الأطفال؟”.
يضيف: “يُشعر إعلان السلطات أن ثلث الإصابات تشمل سرطان الثدي، بأن أورام الأطفال نادرة، حتى أنها لا تذكر في تصنيف الأمراض الأكثر انتشاراً. وعموماً كل التصريحات التي سمعناها عن توفير أدوية وبدء استخدام العلاج الإشعاعي مبشرة جداً، لكن أليس من الأولى العمل على الوقاية، والبحث مثلاً عن أسباب تفشي سرطان الثدي للبدء في التوعية منه، خصوصاً أن برنامج الكشف المبكر قد يساعد في إطلاق عمليات توعية واسعة في أوساط المجتمع؟”.
ويُشيد عثمان بالجهود التي تبذلها السلطات في ملف السرطان، لكنه يتحدث عن جوانب أخرى تتعلق بضرورة تدريب عناصر طبية محلية وتأهيلها استناداً إلى المستجدات العلمية الخاصة بأمراض السرطان وعلاجها، ويقول: “توفير العلاج الإشعاعي لا يضمن إرجاع المرضى من الخارج، فالأمر يتعلق أيضاً بتوفر العناصر الطبية التي يمكن أن تتعامل مع الأعداد الكبيرة للمرضى”.
أيضاً يُشيد صلاح دغيم، وهو والد طفلة مصابة بسرطان الدم، بالخطوات الحكومية لمواجهة مخاطر أمراض السرطان، لكنه يرى أن أرقام الإصابات التي أعلنتها السلطات بشأن مرضى الأورام “غير صحيحة”، ويسأل: “هل يضم هذا الإحصاء من يتعالجون على حسابهم الخاص؟”.
ويعتبر دغيم، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “إقبال المصابين بأمراض الأورام على التسجيل في المنظومة الحكومية يعكس أملهم في الحصول على أدوية بأسعار حكومية مدعومة”.
وخلال السنوات الماضية عانى مرضي السرطان في ليبيا من صعوبات عدة تتعلق بالنقص الحاد في الأدوية الخاصة بأمراضهم، واضطرار مراكز حكومية عدة خاصة بعلاج السرطان الى إغلاق أبوابها بسبب نقص العناصر الطبية والدعم المالي اللازم.
ونظم أهالي مرضى الأورام في ليبيا جمعيات وروابط خيرية لجمع تبرعات لعلاج المرضى وشراء أدوية، في حين سيطر الفساد على ملف علاج مرضى بالأورام في الخارج، وصولاً إلى حدّ إعلان وفيات بسبب توقف سلطات الحكومات السابقة عن صرف مخصصات مالية إلى مستشفيات ومصحات أجنبية توافد إليها المرضى لتلقي العلاج.
مواضيع ذات صلة: