
العربي الجديد-
بدأت البعثة الأممية في ليبيا خطوات عملية نحو تفعيل مبادرتها للحل السياسي، عبر تسليم مقترحات اللجنة الاستشارية المنبثقة عنها إلى الأطراف الليبية الأساسية، في خطوة تسبق بدء جولة مشاورات موسعة تهدف إلى رسم خريطة طريق توافقية لإنهاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات. وسلمت رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه نسخة من مقترحات اللجنة الاستشارية إلى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ونسخة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، خلال لقاءين منفصلين في العاصمة طرابلس، أمس الأحد، فيما من المقرر أن تلتقي تيتيه لاحقا اليوم أو غدا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في بنغازي، وخليفة حفتر قائد مليشيات شرق البلاد، لتسليمهما نسختين من المقترحات أيضا. وتأتي هذه الخطوة قبل خطوة أخرى ستقوم خلالها البعثة الأممية بنشر ملخص تنفيذي على منصاتها الإلكترونية لإتاحتها لكافة الأطياف الليبية التي ستنتخب عددا منها للقائها وعقد مشاورات معها لتقييم تلك المقترحات، وفقا لما كشفت عنه مصادر ليبية مطلعة لـ”العربي الجديد”.
وفي تفصيل حول مضامين تلك المقترحات، أوضحت معلومات مصدرين مقربين من المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس أن اللجنة الاستشارية قدمت ثلاثة مقترحات لمعالجة الإشكاليات العالقة في الإطار الانتخابي. ويتعلق المقترح الأول بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية دون أن ترتبط نتائج إحداها بالأخرى، في محاولة لتجاوز أزمة تزامن الانتخابات التي كانت أحد أسباب تعثر المحاولات السابقة. أما المقترح الثاني فينص على إجراء انتخابات برلمانية فقط، على أن يتولى البرلمان الجديد مهمة الإشراف على ترتيبات دستورية تمهد لإجراء انتخابات رئاسية لاحقا، بينما ينطوي المقترح الثالث على خطوة أكثر جرأة تتمثل في حل كل الأجسام السياسية الحالية، بما فيها مجلسا النواب والدولة والمجلس الرئاسي وحكومتا البلاد، واستبدالها بمجلس تأسيسي جديد يكلف بوضع قواعد دستورية شاملة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، مع تشكيل حكومة جديدة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية.
وبحسب معلومات المصادر ذاتها، فإن المقترحات قدمت تصورات للقضايا الخلافية المتعلقة بشروط ترشح العسكريين وحَمَلَة الجنسيات الأجنبية، والتي شكلت في السابق عقبة أساسية أمام إجراء الانتخابات، لافتة إلى أن التصورات لم تبتعد كثيرا عن الحلول المطروحة سابقا، إذ اشترطت على حملة الجنسيات الأجنبية تقديم وثيقة تنازل عن الجنسية الثانية باعتبار ذلك شرطاً مسبقاً للترشح، بينما اشترطت على العسكريين تقديم مستندات تفيد باستقالتهم النهائية من المناصب العسكرية
وبشأن أزمة الانقسام الحكومي، التي ظهرت باعتبارها من القضايا الخلافية أخيرا، أبرزت المقترحات تباينا بين السيناريوهات الثلاثة، ففي المقترحين الأول والثاني، أكدت اللجنة على ضرورة وجود حكومة موحدة قادرة على العمل في كافة أنحاء ليبيا شرطاً أساسياً لإجراء الانتخابات، دون الدخول في تفاصيل حول آلية تحقيق هذا التوحيد بين حكومتي طرابلس وبنغازي، أو اقتراح تشكيل حكومة جديدة، بينما حمل المقترح الثالث طرحا مختلفا عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة تماما.
وتركز المقترحات الثلاثة على الجانب الانتخابي والدستوري دون الخوض في ملفات شائكة أخرى لطالما شكلت عثرات أمام إجراء الانتخابات، مثل وضع القوى المسلحة المسيطرة على الأرض وكيفية مشاركتها في المشاورات، وعدم الخوض في قضية توزيع الدوائر الانتخابية التي تعد من المسائل الجدلية في القوانين الانتخابية، بالإضافة إلى أن غموض آلية تشكيل “الحكومة الموحدة” في المقترحين الأولين يترك الباب مفتوحا أمام تأويلات مختلفة. وهذه الخطوات تأتي في أعقاب إعلان البعثة الأممية، الثلاثاء الماضي، أنها “ستبدأ في الأيام المقبلة مُشاورات مع الأطراف المعنية وكافة الليبيين” لدراسة الخيارات المقترحة، وأنها ستقوم بناء على هذه المشاورات “برسم خريطة طريق سياسية مبنية على التوافق لتسهيل إجراء الانتخابات الوطنية وتوحيد المؤسسات”.
واللجنة الاستشارية، التي تشكلت في فبراير/ شباط الماضي باعتبارها جزءاً من مبادرة البعثة الأممية، تضم 20 شخصية قانونية ليبية، وعقدت أكثر من عشرين جلسة عمل في طرابلس وبنغازي، تخللتها مشاورات مع أعضاء لجنة 6+6 المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، التي كانت قد وضعت القوانين الانتخابية، بالإضافة إلى لقاءات مع مسؤولي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وتندرج جهود البعثة هذه ضمن المبادرة التي أطلقتها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بهدف خلق أرضية مشتركة بين الأطراف الليبية بعد فشل محاولات إجراء الانتخابات في نهاية سنة 2021، ولاحقا حدثت خلافات حادة بين مجلسي النواب والدولة حول بنود في القوانين الانتخابية، خاصة تلك المتعلقة بشروط ترشح العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية للانتخابات، وأضيفت إليها قضية وجود حكومة موحدة تشرف على إجراء الانتخابات، وأدى عمق الانقسامات إلى إبقاء البلاد في حالة من الجمود السياسي، وسط توترات عسكرية بين الحين الآخر بالتوازي مع تزايد انحدار اقتصاد البلاد.