الأناضول-
بعد أشهر من الجمود السياسي بلغت أزمة ليبيا منعطفا هاما قد يقود نحو إجراء انتخابات طال انتظارها أو ربما يمثل نقطة خلافية جديدة ضمن خلافات عديدة بين الخصوم السياسيين.
هذا المنعطف هو إعلان رئيس مجلس النواب بشرق البلاد عقيلة صالح رسميا البدء في إجراءات تشكيل سلطة تنفيذية موحدة (حكومة) في البلد الغني بالنفط.
وجاء إعلان صالح في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي الخميس (18 يوليو 2024م) واعتبره “استجابة لنتائج اجتماع القاهرة بين أعضاء في مجلسي النواب والدولة (الليبيين)”.
ويقصد صالح بذلك البيان الختامي الصادر عن اجتماع أعضاء من مجلسي النواب والدولة، ممثلي أطراف النزاع السياسي، الذين أعلنوا الخميس من مصر توافقهم على نقاط لإنهاء نزاعات وانقسامات مستمرة منذ سنوات.
ومن أهم هذه النقاط، وفق بيان اجتماع القاهرة، ضرورة دعوة مجلس النواب ليعلن عن فتح باب الترشيح والشروع في تلقي التزكيات ودراسة ملفات المترشحين لرئاسة حكومة موحدة تشرف على إجراء انتخابات عامة.
تلك الانتخابات تعثر تنفيذها لسنوات بسبب خلافات، منها ما يتعلق بالجهة التنفيذية التي ستشرف على إجراءها وتأمينها وتمويلها في ظل وجود حكومتين في البلاد.
فمنذ مطلع 2022، توجد حكومة في الشرق برئاسة أسامة حماد كلفها مجلس النواب، وأخرى معترف بها من الأمم المتحدة ومقرها بالعاصمة طرابلس (غرب)، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
ويرى مراقبون ليبيون أن خطوة البدء بتشكيل حكومة وحدة ضرورية ونقطة فارقة على طريق الحل والوصول إلى انتخابات تجدد شرعية الأجسام العامة الراهنة، بما ينهي أزمة سياسية قائمة منذ أكثر من 3 سنوات.
بينما يعتبر آخرون أن إعلان صالح، بل وحتى اجتماع نواب من مجلسي النواب والدولة بالقاهرة، ما هو إلا “مناورة سياسية” من مجلس النواب قد تعمق الخلاف بين رئاسة المجلسين.
ويستشهد هؤلاء بأن أعضاء في مجلس الدولة تبرأوا من زملائهم الذين شاركوا في اجتماع القاهرة، وهم جميعا من كتلة “الوفاق الوطني” المعروفة بتقاربها مع مجلس النواب.
خلاف جديد
وما يعزز طرح “المناورة السياسية” هو “إعلان رئيس مجلس الدولة محمد تكالة قبل أيام تعليق مشاركته في جميع الحوارات مع صالح”، حسب حديث المحلل السياسي الليبي بدر الغاوي للأناضول.
ولفت الغاوي إلى أن تكالة أرجع هذه الخطوة إلى ما أسماه “تجاوزات وعبث مجلس النواب، بعد أن أصدر المجلس قانون الموازنة العامة للبلاد منفردا بعيدا عن التشاور مع مجلس الدولة”.
وأضاف أن “موقف تكالة لحقه موقف جماعي من مجلس الدولة عبر بيان رسمي يدين مجلس النواب، ويتهمه بتعطيل الحل”.
واعتبر أن هذا “دليل واضح على أن أعضاء مجلس الدولة الحاضرين لاجتماع القاهرة ذهبوا دون موافقة المجلس مجتمعا ولم يمثلوه في الاجتماع”.
الغاوي تابع: “كذلك أعضاء مجلس الدولة الحاضرين لاجتماع القاهرة هم ذات الأعضاء الذين وافقوا على إقرار مجلس النواب قبل أشهر القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 (مشتركة بين المجلسين)”.
واستطرد: “كما طالبوا في اجتماع القاهرة بإجراء الانتخابات وفقا لهذه القوانين، بحسب بيانهم الختامي المشترك مع أعضاء مجلس النواب”.
وزاد بأن “الموقف الرسمي والمعلن من مجلس الدولة هو رفض هذه القوانين؛ لأن مجلس النواب أدخل عليها تعديلات قبل اعتمادها”.
وحسب الغاوي فإن “كل تلك المعطيات تقود إلى أن رئاسة مجلس الدولة لن تعترف بأي اتفاق أو توافق يحصل بين كتلة الوفاق الوطني بالمجلس المشاركين في اجتماع القاهرة”.
وأردف: بالتالي “أي إجراء مقبل من مجلس النواب سيكون محل رفض مجلس الدولة، والحصيلة تعميق للأزمة وخلاف جديد يضاف إلى الخلافات بين المجلسين”.
ومن بين المعطيات على أن إعلان صالح البدء بإجراءات تشكيل حكومة موحدة هو “مناورة سياسية”، وفق الغاوي، أن “اجتماع القاهرة عُقد بعيدا عن الرعاية الأممية، وبالتالي تطبيق مخرجاته أمر صعب”.
توافق ليبي-ليبي
ما حدث هو “انتزاع للقرار الوطني من الدوائر الخارجية والأممية”.. بهذه الكلمات أشاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي فيصل باكير بإعلان صالح البدء بإجراءات تشكيل حكومة وحدة، بناء على مخرجات اجتماع القاهرة.
واعتبر باكير، في حديث للأناضول، أن “عقد اجتماع القاهرة دون الرعاية الأممية يعد ميزة، فهو عبارة عن توافق ليبي ليبي”.
وتابع أن “جميع الحوارات برعاية أممية فشلت، لحد استقالة المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي، عندما أيقن عدم قدرة البعثة الأممية بقيادته على إيجاد حلول للأزمة، وهو النهج ذاته الذي سلكه نحو ثمانية مبعوثين سابقين فشلو جميعا”.
واستدرك: “بينما عندما قرر الليبيون إيجاد حل ليبي ـ ليبي تمكنوا من ذلك بعيدا عن البعثة الأممية وشكلوا لجنة (6+6) المشتركة بين المجلسين، اللذين يعدان رؤوس النزاع، وهذه اللجنة أنجزت القوانين الانتخابية بعد أكثر من عامين على جمود سياسي”.
وزاد بأن “البعثة الأممية باركت اجتماع القاهرة عبر بيان السبت شجعت فيه أعضاء المجلسين المشاركين فيه على البناء على ما اتفقوا عليه، وتوخي مقاربة تشمل الأطراف الليبية المعنية الأخرى، حتى تفضي مخرجات اجتماعهم إلى حل قابل للتنفيذ سياسيا”.
وعن احتمال رفض مجلس الدولة لمخرجات اجتماع القاهرة، فإن “هذا الاجتماع ما هو إلا امتداد لاجتماع بين مجلسي النواب والدولة بتونس في فبراير الماضي وآخر بمدينة مصراتة (الليبية) في يونيو الماضي”، وفق باكير.
وأردف: “حتى المخرجات ليست جديدة حتى يرفضها مجلس الدولة، فمخرجات القاهرة تقول بوجوب تشكيل حكومة جديدة موحدة، وهي المخرجات ذاتها للاجتماعات السابقة بين المجلسين”.
وزاد بأن “خطوة تشكيل الحكومة تضمنها التعديل الـ13 للإعلان الدستوري (دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام القذافي عام 2011)، الذي أقره مجلس النواب وصادق عليه مجلس الدولة في فبراير 2013”.
كل ذلك “يفيد بأن خطوة تشكيل حكومة موحدة جديدة، تشرف على إجراء الانتخابات، أمر ليس بجديد، وما أعلنه صالح خطوة تنفيذية لتفاهمات سابقة مع مجلس الدولة، أي أن الأخير لن يعترض على نتائج اجتماع القاهرة أو إعلان صالح”، وفق تقدير باكير.
لكنه لم يخف تخوفه مما هو قادم، إذ قال إن “كان هناك خلاف آتٍ بين المجلسين، فربما سيكون بشأن طريقة اختيار الحكومة الموحدة ودور كل منهما في تنفيذ هذه الخطوة”.
ورجح أنه “إذا مضى مجلس النواب في تشكيل الحكومة منفردا، سيرفضها مجلس الدولة، ما يعني العودة للمربع الأول من الأزمة بوجود حكومتين، أي حكومة مجلس النواب المرتقبة، مع استمرار حكومة الوحدة الوطنية باعتراف مجلس الدولة”.
وهذا “ما حدث عندما كلف مجلس النواب حكومة فتحي باشاغا قبل ثلاثة أعوام، والتي يقودها حاليا أسامة حماد”، كما لفت باكير.
ذات صلة: