بتهمة الإهمال والتقصير. الرقابة توقف إدارة مستشفى طرابلس المركزي عن العمل مؤقتا
"قادربوه" عن المستشفى: لا توجد غرفة واحدة مهيأة لإقامة مريض، ولا توجد غرفة دخلناها إلا توجد بها جراثيم "قادربوه" عن المستشفى: كله بيئة فاسدة لا تصلح لعلاج مريض. المخازن مليئة بالوسخ والعفن، كيف يا جماعة راضيين بالمهزلة هذي كلها وزارة الصحة: كرامة الكوادر الطبية والإدارية لا يمكن المساس بها. والتشهير والإساءة لأي موظف مرفوضة

الناس-
أثارت قضية إيقاف هيئة الرقابة الإدارية لمدير مستشفى طرابلس المركزي ردات فعل متباينة، بين من يؤيد ويستحسن ومن يعارض ويستهجن..
وكان رئيس هيئة الرقابة الإدارية “عبدالله قادربوه” زار المستشفى منتصف الأسبوع الماضي رفقة كادر إعلامي يوثق تفاصيل الزيارة، حيث ظهر وهو يوبخ مدير المستشفى على “الإهمال والتقصير”، وقالت الهيئة إن رئيسها وقف على أوضاع المستشفى بعد ورود تقارير للجان متابعة المستشفيات العامة.
توثيق مرئي للزيارة
أظهرت الصور التي رافقت الزيارة نزلاء يبدو من هيئتهم أنهم غير ليبيين، كما أظهرت نوافذ المستشفى معلق عليها ملابس “وكأنها غسيل”، وكانت دورات المياه بالمستشفى بأوضاع مزرية، ومحيط المستشفى ظهر فوضويا حيث تكدست فيه أكوام من الأثاث والمستلزمات المتهالكة، وتكدست غير بعيد منها أكوام القمامة.
وبعد جولة الكاميرا ظهر في المقاطع رئيس الهيئة وهو يسأل بانفعال ظاهر مدير المستشفى إن كان قد رتب بيته الداخلي قبل أن يشتكي من قلة الإمكانيات من الدولة؟ ووصف في حديثه المرفق بالخرابة. وأبدى قلقه من مبيت “الهجرة” في المستشفى (يفهم منه أن يتحدث عن مهاجرين غير شرعيين) متسائلا: “كيف يدخلون؟ أمنك وين؟”. وأردف بأن الشكاوى اللي تصل عن المستشفى “كارثة”.
وتجول رئيس الهيئة في بعض أقسام المستشفى، وأثار ضجة حول وضعية الأجهزة المهملة. كما تحدث إلى مواطنين في الانتظار، معترضا على جعلهم ينتظرون.
وتحدث بأنه “لا توجد غرفة واحدة مهيأة لإقامة مريض، ولا توجد غرفة دخلناها إلا توجد بها جراثيم”، وخاطب إدارة المستشفى بأنهم قتلوا الناس ولم يعالجوهم- وفق ألفاظه.
استمر قادربوه في التوبيخ حين توقف أمام باب مغلق بالسلاسل، أو كراتين مكومة في ساحات المستشفى ومخازنه ومرافقه.
وأصدر تعليماته أمام الكاميرا بالقبض على مسؤول وصفه بـ”امتع التفتيش”؟
توقف أيضا أمام جهاز تصوير مركون في محطة السيارات، وسأل باستنكار عن السبب. فأبلغوه بأنه غير مطابق لنموذج الاستلام، وفصلوا له بعض العيوب فيه.. فكان رده في انفعال: كيف ترضون بهذه المهزلة؟ وكيف تستلمون أجهزة بهذه الطريقة؟
وتابع يقول: “مستشفى يهدر عليه ملايين وصيانات وتوفير معدات، وتحت بند المخصصات تصله كل يوم، ولا توجد به خدمات للمواطن، ولا عنده أرضية ملائمة ولا حمامات ملائمة ولا سقف ملائم، كله بيئة فاسدة لا تصلح لعلاج مريض. المخازن مليئة بالوسخ والعفن، كيف يا جماعة راضيين بالمهزلة هذي كلها؟”
ثم خاطب أحد مرافقيه قائلا: “مهند، يوقف مدير المستشفى عن العمل، ويوقف مدير الشؤون الإدارية عن العمل، ويوقف التفتيش عن العمل، ويفتح تحقيق عاجل اليوم والتحري يمشوا معاكم اليوم من هنا للتحقيق بالكامل”.
ما اعقب الزيارة هو إيقاف مدير عام المستشفى وآخرين وإحالتهم للتحقيق.
مدير مكتب رئيس هيئة الرقابة، علق بأن الإيقاف ليس عقوبة، “بل إجراء وقائي لضمان عدم التأثير على سير التحقيقات”.
شكوى المستشفى سبقت
وعقب الإجراء تداولت مواقع وثيقة تكشف أن مدير مستشفى طرابلس المركزي “عاصم بكرة” سبق وأن راسل النائب العام بداية العام 2025، يشكو فيه من انهيار الخدمات الصحية بالمستشفى.
وجاء في الشكوى الموجهة للنائب العام أن المستشفى يعاني من تدهور كبير في البنية التحتية والمعدات الطبية، مشيرا إلى توقف عديد المشاريع التطويرية منذ سنوات، مما أدى إلى انخفاض مستوى الأداء والخدمات وتوقف مشاريع التطوير الإداري والفني.
كما جاء فيها “قلة التخصصات الطبية المتوفرة مقارنة بحجم الخدمات المطلوبة، ونقص التمويل اللازم، إذ يحتاج المستشفى إلى حوالي (750) ألف دينار شهريا للأدوية والمستلزمات الطبية والنظافة والكهرباء والمياه- حسبه.
واشتكى “بكرة” من فصل بعض المباني والمرافق عن الإدارة العامة للمستشفى مما أثر سلبا على التكامل الإداري والخدمي، وتراكم نفايات ومستلزمات طبية غير مستخدمة منذ سنوات، مع وجود خطر صحي وبيئي نتيجة سوء التخزين..
فالواضح في نص الشكوى أنها تطابق تقريبا ما نشرته كاميرا الرقابة أثناء زيارة رئيسيها الأسبوع الماضي..
كيف استقبل الليبيون الخطوة؟
عبدالباسط الفيتوري- أستاذ صيدلة، علق بأن “كافة المرافق الصحية العامة بل وأغلب إن لم يكن جميع المؤسسات الحكومية تمر بالحالة، ولا يعني ذلك فشل إدارة المستشفى فحسب، بل فشل كافة الحكومات، متسائلا هل كان على مدير المستشفى عدم قبول المسؤولية أصلاً؟ أو طلب استقالته فور التهجم عليه؟، مبينا أن تشخيص حال قطاع الصحة معروف والعلاج واضح، لكن لا إرادة سياسية “للدولة” للإصلاح، ولا يقع ذلك ضمن أولوياتها على الإطلاق”.
محمد أبوفلغة- سياسي وأكاديمي، أبدى استغرابه لسبب: “عجيب أمر هذه البلاد: تختلف حتى فيما يجب أن تتفق فيه.
الوضع المزري اللي شفناه في مستشفى طرابلس المركزي مفروض ما يختلفوش عليه اثنين. والصحيح أن الكل يتفق على رفض الوضع. هذي فرصة مهمة للضغط من جديد على المسؤولين من رئيس الحكومة إلى إدارة المستشفى عشان الوضع يتغير. اللي شفناه أسوء مما تخيلناه ومازال في حاجات أسوأ منه. وهناك مليارات تُصرف على كلام فاضي”.
لكن للأمانة –يضيف أبوفلغة- المسؤول الليبي محظوظ بينا، لأننا بدل ما نناقش المشكلة، قعدنا نناقشوا في أسلوب قادربوه ومشاعر مدير المستشفى.
أيمن أبوشحمة- طبيب، ورغم انتقاده للمنظومة الصحية لكن له وجهة نظر أخرى هنا: “هو الكلام صحيح ولكن ميزانية قادربوه تعادل أربعة أضعاف ميزانية المستشفى، وقادربوه جهة رقابية المفروض يحاسب المسؤولين من رئاسة الحكومة إلى وزارة الصحة، فالموضوع أكبر من طبيب غلبان وجد نفسه يعاني تركة 50 سنة من الإهمال ومطلوب منه يصلح وضع دوله منهارة”.
جهات اعتبارية انتقدت..
وزارة الصحة التي أجرت الأيام الماضية جولات فجائية في مرافق صحية في شتى المدن، أكدت وقوفها إلى جانب جميع الكوادر الطبية والإدارية، مشددة على أن كرامتهم لا يمكن المساس بها، وأشارت إلى أن “التشهير والإساءة لأي موظف مرفوضة بموجب جميع القوانين”.
وزعمت في بيان أصدرته بالمناسبة أنها تعمل على تنفيذ إصلاحات شاملة للنهوض بالقطاع الصحي عبر مشاريع تطوير البنية التحتية وتوفير الأدوية والمستلزمات، ورفع كفاءة الكوادر الطبية والإدارية، وأنها “اتخذت إجراءات واضحة بإيقاف أي مسؤول ثبت تقصيره، مع الالتزام التام بسرية البيانات لحين استكمال التحقيقات والتأكد من ثبوت الإدانة وفق القانون”.
حراك مدني
وقد رفض موظفو المستشفى تصرفات رئيس هيئة الرقابة تجاه إدارتهم، واعتبروا في وقفة احتجاجية نظموها أنه أهانهم جميعا”.
كما أدان المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان ما وصفه بالاعتداء اللفظي والتشهير العلني بالموظفين، معتبرا إياه “انتهاكا واضحا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان”. ودعا هيئة الرقابة للالتزام بالضوابط المؤسسة وللمعايير المهنية والأخلاقية، بعيدا عن الاستعراض الإعلامي “الذي يقوض ثقة المواطن بالمؤسسات الرقابية ذاتها”.