العربي الجديد-
للمرة الأولى منذ زمن بعيد، عاش الليبيون موسم صيف من دون انقطاعات مزمنة في التيار الكهربائي كما كانت الحال في السنوات السابقة، وأعادوا اكتشاف عاصمتهم طرابلس وحدائقها العامة المضاءة ليلاً بفضل استقرار الشبكة بعد عقد من الاضطرابات.
وكانت الأزمات المتواصلة للكهرباء بسبب الشبكة المتداعية والمتضررة من الاشتباكات بين الفصائل المسلحة وعمليات النهب، جزءاً لا يتجزأ من يوميات الليبيين منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011. فبعدما حكم البلاد مدة 42 عاماً، ترك وراءه بنى تحتية متقادمة واقتصاداً يعتمد بشكل مفرط على النفط ويداً عاملة غير مؤهلة.
للمحافظة على الشبكة، كانت الشركة العامة للكهرباء تلجأ في السنوات العشر الأخيرة إلى تقنين التيار لفترات خلال ذروة الاستهلاك صيفاً وشتاءً.
لكن مع تعيين إدارة جديدة في الشركة العامة للكهرباء في يوليو 2022، وإقرار خطة إعادة هيكلة لها ترافقت مع هدوء نسبي بعد اشتباكات استمرت لسنين، تحسنت التغذية الكهربائية بوضوح.
وقد باشرت شركات أجنبية اطمأنت على ما يبدو إلى الوضع، مجدداً مشاريع علقت على مدى سنوات.
وضع لا يحتمل
حتى العام الماضي، كان الانقطاع يستمر أحياناً لعشرين ساعة متواصلة في العاصمة طرابلس، فيما الوضع لا يحتمل من دون مكيفات هواء مع تجاوز الحرارة صيفاً الأربعين درجة مئوية.
واضطر السكان إلى التكيف مع ذلك. فقد استثمر كثيرون في بطاريات تكلف بضع عشرات من الدولارات، وتسمح بتشغيل جهاز التلفزيون أو مصباح أو مصباحين ووصلة إنترنت بسيطة.
أما الميسورون منهم، فقد اشتروا مولدات كهرباء قوية، لكنها تسبب ضجيجاً مزعجاً وتلوثاً، وتستهلك الكثير من الوقود قد تصل كلفته إلى آلاف الدولارات.
وكان كثير من الجزارين ومتاجر الحلويات والمثلجات يواجهون صعوبة في التبريد.
يقول مؤيد الزياني، صاحب محل لحوم: “الحمد لله، الوضع في تحسن، ويلاحظ ذلك الزبائن، فحتى مع وجود مولد، يضعف أداؤه وتضعف الثلاجات وتفسد اللحوم إذا استمر تشغيله أكثر من عشر ساعات”.
وتؤكد حنان الميلادي التي تبيع عبر الإنترنت حلويات لحفلات الزواج والأعياد، أن “السنوات الماضية كانت صعبة للغاية بالنسبة إلى المواطن وإليَّ شخصياً. كانت كارثة بمعنى الكلمة، وخصوصاً مع انقطاع الكهرباء وطرح الأحمال من قبل شركة الكهرباء لحماية الشبكة”.
وتضيف الميلادي، وهي أرملة تعيل ثلاثة أطفال، وتبلغ 43 عاماً: “تصوروا ما يحدث عندما تنقطع الكهرباء وعندي طلبية لم أكملها بعد! والأصعب أننا لا نعرف متى تنقطع الكهرباء ومتى تعود”.
عودة الحياة
تعلن الشركة العامة للكهرباء بانتظام عن تجهيزات جديدة في محطات توليد الكهرباء في البلاد البالغ عددها حوالى عشرين. لكن هذا الأمر لم يحل خلال موجة القيظ في تموز/يوليو دون سماع هدير المولدات مجدداً في المدينة، إثر أعطال متفرقة ومشاكل تتعلق بالحرارة المرتفعة.
منذ وقف إطلاق النار في 2020 وتشكيل حكومة انتقالية في 2021 في طرابلس، انكبّت البلاد البالغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة والغنية بالمحروقات، على ورشة إعادة البناء.
ويساهم الاستقرار في الشبكة الكهربائية الذي يشكل العنوان الرئيسي في برنامج “عودة الحياة” الذي أقرته الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة في غرب ليبيا، في إعادة البريق إلى طرابلس التي يطلق عليها أبناؤها لقب “عروس البحر الأبيض المتوسط”، بسبب واجهتها البحرية التي كانت تُطلى سابقا بالكلس.
ويقول محمد رحومي، المنسق الإعلامي في مجموعة للحلويات: “من الواضح أن الاستقرار الإداري للشركة (العامة للكهرباء) أثر في استقرار الشبكة، وأيضاً الاستقرار الأمني خلال هذه السنة. كل هذه العوامل لها دور في استقرار الشبكة الكهربائية. لكن، للمواطن أيضاً دور يؤديه، هو تقليل الاستهلاك ودفع الفواتير”.
وكلفة الكهرباء في ليبيا هي من الأدنى في المنطقة، وتبلغ 0.050 دينار (أي 0.01 يورو) للكيلواط/ساعة للأفراد و0.20 دينار (0.04 يورو) للمحلات.