العربي الجديد-
عام 2009، غيّرت ليبيا كل مناهج الدراسة العلمية الخاصة بصفوف المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، واستعانت بالمنهج السنغافوري تحديداً الذي وصف حينها ولا يزال بأنه “أحد الأفضل عالمياً”. وحددت وزارة التعليم حينها الهدف المنشود بتطوير التعليم في ليبيا، فما النتائج التي حققتها هذه التجربة بعد نحو 14 عاماً على إطلاقها؟
يتحدث عمرو العزابي، وهو أحد أولياء الأمور، عن النقلة التي حدثت في مناهج التعليم بليبيا، ويقول لـ”العربي الجديد”: “استدعتنا إدارة المدرسة في تلك الفترة، وحضر كالعادة عدد قليل من أولياء الأمور الذين استضافهم مدير المدرسة في مكتبه، وأخبرهم بفخر قرار اعتماد الدولة منهج التعليم السنغافوري، وأنها بدأت توزيع كتب هذا المنهج على التلاميذ”.
يضيف العزابي: “بالغ المدير حينها في الإشادة بالقيمة التعليمية العالية لمنهج سنغافورة المتقدم، باعتباره ساهم في نهضة هذا البلد، ووجه أولياء الأمور مجموعة أسئلة أظهرت قدراً جيداً من الوعي حينها، لكن المدير لم يقدم أجوبة مناسبة في شأن ضمان توفير إدارة المدرسة متطلبات المنهج قبل اعتماده، وإذا كانت الخطوة مدروسة في شكل جيد”. ويذكر أن “الأمر لم يكن على كل حال في يد إدارة المدرسة التي تمسكت بقناعتها الراسخة بجدارة المعلمين في حمل أمانة المنهج الجديد، لكن الأخطاء التي ارتكبوها كانت كثيرة”.
ويقترب الأكاديمي وأستاذ المناهج وطرق التدريس محمد اليونسي من رأي العزابي، ويقول لـ”العربي الجديد”: “كانت خطوة تغيير المناهج ارتجالية بامتياز، وحصلت من خلال اعتماد وترجمة منهج تطبقه دولة متقدمة في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس من دون درس مقدار ملائمته لواقع التعليم في ليبيا، والعمل لتوفير ما يحتاجه من أجل تحقيق النجاح المطلوب”.
ويتحدث اليونسي، الذي كان عام 2009 أستاذاً في المرحلة الثانوية، عن أن “المعلمين فوجئوا حينها بالكتب الجديدة ووسائل التدريس التي اختلفت تماماً عن تلك التي تمرسوا عليها، في حين لم يتلقوا أي تدريب على المحتوى وكيفية فهمه تمهيداً لإيصاله في شكل مناسب للطالب، كما لم تتوفر متابعة دورية لمستوى تلقي التلاميذ ومدى فهمهم واستيعابهم للمواد”.
ويلفت اليونسي إلى أن “التغيير شمل تطوير الجانب العلمي فقط من المنهج، واقتصر على كتب الرياضيات والعلوم واللغات، فيما أهمل الجانب التربوي والأدبي، وهو أمر لم يخدم تطوير طرق تفكير الطلاب، وإكساب التعليم ميزات تتجاوز تكديس معلومات تعلق بالكاد في الأذهان ثم تنسى”. يضيف: “لا تملك ليبيا إدارة سنغافورة التي قطعت أشواطاً بعد أشواط سابقة، ولا قوانينها ومعلميها الأكفاء، وأيضاً مدارسها المجهزة بأفضل المعامل ووسائل التوضيح، فكيف نصل إلى مستوى ما نالته سنغافورة باستحقاق وجدارة، وبسرعة كبيرة”.
من جهتها تتناول المعلمة في المرحلة الإعدادية فاطمة أبو الأسعاد ما تصفه بأنه “الجانب السلبي في اعتماد هذه المناهج”، وتقول لـ”العربي الجديد”: “في بداية السبعينات من القرن العشرين، ألغيت بعض المناهج، مثل منهج اللغة الفرنسية الذي استبعد إلى الأبد، والإنكليزية الذي ألغي عام 1985 ثم أعيد عام 1990، ما خلق فجوة كبيرة وجيلاً كاملاً يجهل اللغة الإنكليزية”.
تتابع: “بعض هؤلاء يدرّسون اللغة الإنكليزية الآن من دون أن يملكوا إمكانات تؤهلهم، ما يعيق تدريس المناهج العلمية بهذه اللغة، ويحتم استمرار الترجمة الذي يقلل فرص التحصيل الجيد، وإمكانات مواكبة التطور المستمر للمناهج”. تضيف: “يظل الأمر على هذا النحو حتى دخول الطلاب الجامعة فيواجهون مفاجأة أن المناهج العلمية تدرّس باللغة الإنكليزية، وتظهر بالتالي الفجوة الثانية لهم”.
وفيما تعتبر أبو الأسعاد أن “استيراد المناهج الخارجية لم يكن مدروساً بسبب عدم تلازمه مع إتقان لغات بلدانها”، ترى أن الأزمة مستمرة “إذ مرّ الآن أكثر من عقد على تطبيق وزارات التعليم المناهج ذاتها، في حين تجاوزتها دولها الأصلية مرات. في الأساس كان يجب أن ننظر في الأسباب التي تدفعنا إلى تجاوز مناهجنا القديمة والذهاب لاستيراد أجنبية، والخطوة الأكثر سهولة كانت تتمثل في تكثيف جهود تطوير مناهجنا القديمة بدلاً من أن نقفز قفزات إلى الأمام من دون أن نملك أرضاً نقف عليها، وهكذا كان سقوط التعليم أمراً محتماً”.